لا يختلف الحوثيون في طريقة تفكيرهم عن الجماعات المسلحة الغاشمة «الميليشا» مثل حزب الله، وبوكو حرام، وداعش، والقاعدة، وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات الراديكالية في شيء، وقد اتضح من البدء أن هذه الجماعة الإرهابية لا تحمل في أجندتها سوى مشروع الدولة الثيوقراطية «حكم الكهنة، أو الحكم الديني للدولة»، والأسوأ من ذلك أنه مشروع «كهنوتي» مزروع بالكامل من قبل نظام الملالي الإيراني، وهو النظام الفاشي الذي لا يتوانى عن الكذب على شعبه، ويكرس وينادي ويدعم الحكم السلالي في كل بقعة تصل إليها أذرعه.

الحوثيون ، أقل بكثير من مستوى حكم دولة، أو المواجهة العسكرية سواء مع المملكة العربية السعودية أو مع أي دولة أخرى من دول التحالف منفردة، فما بالكم بتحالف دول، فالقدرات التدريبية لعناصر هذه الجماعة الإرهابية ضعيفة جدا، وليست قادرة على مجاراة مهارات الجيوش النظامية للدول، كما أن القدرات القيادية السياسية لزعامتها لا تعرف أكثر مما تعرفه زعامات العصابات التكتيكية، ولا تستطيع الخروج من دائرة تفكيرها تلك، وهو النموذج الذي تمثله كل تحركات أعضائها الذين باتوا يحظون بالألقاب والمناصب القيادية «بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء».

على مر العصور ابتلي اليمن بمثل هذا الحكم الرجعي البائس، وبتكرار هذا النموذج المتخلف على مدار 11 قرنا «1098 عاما تحديدا»، حيث حكم اليمن 68 إماما، بدأ منذ عهد الإمام الهادي ابن الحسين الذي حكم اليمن من صعدة «284 – 298 هجرية»، وانتهاء بالمنصور محمد البدر حميد الدين «1382 – 1382 هجرية»، والذي لم تدم مدة حكمه أكثر من 8 أيام، ليغادر اليمن لاحقا، ولتقوم الدولة الجمهورية في اليمن 1962 ميلادية، واليوم يحاول الحوثيون استعادة الحكم السلالي القائم على الفكرة الدينية للنسب، والذي تعتبر فيه الدولة المتوكلية أكثر النماذج العربية وضوحا وطولا عبر التاريخ، وتأتي إيران كمثال آخر على شكل الدولة الثيوقراطية، التي تسيطر عليها أفكار وأمزجة رجال الدين ممثلة في «شخص الولي الفقيه». وهذا النموذج تسعى الأخيرة لإقامته في اليمن.

لم يقدم الحكم الثيوقراطي السلالي في اليمن خلال 11 قرنا -وهي مدة كافية 11 مرة لصناعة أمة قوية-، التقدم الفكري والمنجزات الاقتصادية ولا الفوارق الثقافية والسياسية، بل أكد على المزيد من تكريس خرافة النسب الشريف العائلي، لذلك فإن اليمن حاليا على يد هذه العصابة يتعرض مجددا لأكبر سرقة في تاريخه، ولأكبر مخطط تغييب فكري وثقافي ممنهج يتم التخطيط له في طهران، ويتجرع اليمنيون مرارة تطبيقاته، لأن الدولة الثيوقراطية، رجعية، لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بقوانين وأنظمة المجتمع المدني، ولا تستطيع تقبل التعددية الفكرية والثقافية، إنها باختصار مقبرة الأمم الشعوب.

وبنظرة سريعة على تاريخ الجماعة الحوثية الإرهابية ستعرف أنها لم تكن لتوجد في اليمن لولا الدعم غير المحدود من قبل النظام الإيراني، إذ وعلى مدار الأعوام السابقة، تم رصد وجود خبراء عسكريين لبنانيين يتبعون لحزب الله «الذراع العسكري والديني للنظام الإيراني في لبنان والعالم العربي»، ونقلت قناة العربية في الـ25 من يونيو العام الجاري: «أعلن الجيش الوطني اليمني القبض على قيادي بارز في ميليشيات الحوثي ومعه 7 خبراء من ميليشيات حزب الله اللبناني في مديرية الملاحيط جنوبي غرب محافظة صعدة.....».

هذه الاستماتة في القبض على اليمن من قبل النظام الإيراني لها أطماعها السياسية تجاه المنطقة العربية بالكامل، ولا أظن أن الشعب اليمني سيقبل بأن يكون أداة في اللعبة القذرة التي تلعبها إيران مهما طال الأمر. لأنه لن يكون هناك نصيب لليمن من ناحية التقدم والتطور في ظل سيطرة هذه الجماعة الرجعية على مقاليد الحكم في البلاد. ففي الوقت الذي تهرول فيه المجتمعات إلى التحول إلى أنظمة ومؤسسات المجتمع المدني، تأتي جماعة الحوثيين لتعيد اليمن إلى ما قبل المربع الأول للدولة في التاريخ الحديث، وتصنع منه كومة من العقد والمشاكل التي ستحتاج إلى قرون لتتخلص منها، وليس أدل على ذلك من الإصرار على تدريس مناهج الفكر الديني الإيراني وليس الإسلامي للصغار في المدارس، لذلك فاليمن مقبل على كارثة حقيقة.