منذ أن تولى جورج واشنطن رئاسة الولايات المتحدة، كأول رئيس للجمهورية في 30 أبريل 1789 وحتى تاريخ اليوم، لم يُعزل أي رئيس أميركي، والبالغ عددهم 45 رئيسا، على الرغم من أن الدستور الأميركي أعطى الحق للشعب في عزل رئيسهم، ولكن ضمن حدود وظروف واضحة، تضمن عدم استغلال هذا الحق كسلاح تصفية في التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية.

الحديث عن عزل الرئيس أصبح العنوان الأبرز في أروقة الحزب الديمقراطي والإعلام الأميركي، منذ تفجر الاتهامات الموجهة إلى الرئيس الحالي دونالد ترمب في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتي أوصلت ترمب إلى الحكم على حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلنتون.

وعلى الرغم من أن الإعلام اليساري يعد اليوم رأس الحربة في حملة المطالبة بالعزل، مدعوما ببعض الراديكاليين من الحزب الديمقراطي، إلا أن احتمال عزل الرئيس يبقى -بلغة الأرقام- أمرا مستبعدا، خصوصا مع وقوف الحزب الجمهوري كحائط سد منيع يحمي الرئيس من أي احتمال لتمرير مشروع عزل، على الأقل حتى الانتخابات التشريعية النصفية في نوفمبر القادم.

عزل الرئيس يستند -كما قلنا- إلى تشريعات واضحة تمت صياغتها في الدستور الأميركي في ميثاق فيلادليفيا لعام 1787، بناء على اقتراح بنجامين فرانكلين كطريقة مثلى للإطاحة بالرؤساء «المنبوذين»، وذلك لضمان استقامة الرئيس في خدمة الأمة، وخضوعه للمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي قامت عليها، فقد نصت المادة الثانية من الدستور في فقرتها الرابعة، أن الرئيس أو نائبه أو أي موظف رسمي يُعزل من منصبه إذا تمت إدانته باتهامات موجهة إليه من الكونجرس بالخيانة أو الرشوة أو لارتكابه أي جريمة أو جنحة خطرة يحاسب عليها القانون، كما أن الفقرة الثانية من المادة ذاتها تنص على أنه في حال عزل الرئيس أو وفاته أو استقالته أو عجزه عن القيام بمهامه كرئيس للدولة، فإن نائبه يصبح تلقائيا رئيسا للجمهورية حتى نهاية الفترة الرئاسية.

صعوبة تحقق عزل الرئيس تكمن في أن الأمر يتطلب موافقة الكونجرس بمجلسيه، وذلك بغالبية تفوق المعتاد في تمرير التشريعات أو القرارات، إذ يتطلب أن يتضمن القرار لعزل الرئيس موافقة مجلس النواب بغالبية بسيطة 51%، الأمر الذي سيتطلب بعد ذلك موافقة غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ، وهي غالبية من الصعب تحقيقها.

خطوات العزل تمضي بأن يقوم مجلس النواب بأكمله في مناقشة مواد الإقالة والتصويت عليها، ثم إذا حدث وتمت الموافقة على العزل يعدّ الرئيس معزولا، ويتم تحويل القرار إلى مجلس الشيوخ، حيث تتم محاكمته هناك بهدف صدور القرار النافذ بطرده أو إبقائه في منصبه، إذ تقوم لجنة القضاء في مجلس النواب بمثابة الادعاء، وذلك بتقديم الأدلة ضد الرئيس المتهم، والذي يختار بدوره فريقه القانوني الذي يترافع عنه للدفاع عنه لإثبات براءته، كما يقوم رئيس قضاة المحكمة العليا بدور القاضي الذي يقرر القواعد بشأن مقبولية الأدلة والإثباتات التي يمكن الأخذ بها، في حين يقوم مجلس الشيوخ بمثابة هيئة المحلفين، الذين يقومون في نهاية الاستماع للمرافعات بالتصويت بقرارهم النهائي.

تاريخيا، كانت هناك ثلاث محاولات للإطاحة برئيسين، إضافة إلى محاولة توقفت بفعل استقالة الرئيس. الأولى: كانت مع الرئيس أندرو جونسون عام 1868، والذي وُجّهت إليه تهم في محاولتين فاشلتين لمحاكمته، بعده في 1974 كانت المحاولة التي لم تكتمل حين استقال الرئيس ريتشارد نيكسون في أعقاب فضيحة «ووترجيت»، وأخيرا مع الرئيس بيل كلنتون عام 1998 حين واجه تحقيقا خاصا يتعلق بفضيحة إقامة «علاقة غير أخلاقية» مع متدربة في البيت البيض، حين وافق مجلس النواب بالأغلبية على محاكمته، بعد توجيه تهمتين إليه، هما: الحنث باليمين، وإعاقة العدالة، إلا أنه تمكّن من إنقاذ نفسه بعد اعتذاره العلني، الأمر الذي أسهم في عدم وصول التصويت في مجلس الشيوخ إلى حد الثلثين المطلوب لتمرير قرار العزل.

شركة المراهنات البريطانية «لادبروكس» ذكرت أن فرص عدم قدرة ترمب على البقاء حتى 2020 تبلغ حوالي 63%، وذلك في أعقاب شهادة جيمس كومي الرئيس السابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي المستقيل في عهد الرئيس الحالي أمام الكونجرس، كما أن نسبة التأييد الذي يحظى بها ترمب اليوم في استطلاعات الرأي لا تتجاوز 42%، إلا أن التجربة مع استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات الأميركية عام 2016، أثبتت أنها ليست بالضرورة مؤشر دقيق، فرأي الشارع الأميركي لا يشكل ثقلا حقيقيا في التجهيز لمشروع قابل للحياة لعزل الرئيس، الأمر كله بيد من يملك الغالبية في مجلسي الكونجرس، ومن لديه القدرة في بناء قضية قانونية قادرة على مواجهة متانة الدستور، وتحزبات ممثلي الشعب.