بالتعليم يمكننا بناء مفاهيم وثقافات ومعتقدات اجتماعية صحيحة لأفراد المجتمع، بما يتضمن الأخلاقيات والتعاملات المختلفة المتصلة بجوانب الحياة العامة التي نشترك فيها كمواطنين وكأفراد تحت مظلة وطن تجمعنا أرضه وتشملنا منجزاته، وبما يسهم في تحقيق جودة الحياة التي نسعى نحوها ونتطلع إليها؛ لتكون تلك المفاهيم جزءاً من ثقافتنا الوطنية التي يؤمن بها كل فرد ويحافظ على مصداقيتها وتطبيقها بتلقائية ذاتية دون حسيب أو رقيب خارجي، وليكون ضميره وقناعاته ودينه هو الوازع والرقيب الذي يردعه أو يحفزه للتعاطي مع ظروف الحياة ومتطلباتها المختلفة بإيجابية، ينعكس مردودها عليه وعلى مجتمعه الذي يكتنفه بالفائدة والنماء.

يتضمن التعليم بمناهجه المختلفة وبمستوياته التراتبية، العديد من المقررات النظامية منها، واللاصفية أو الاختيارية سواء في مرحلة التعليم العام، أو التعليم العالي، والتي منها ساعات النشاط والمقررات الحرة الاختيارية في الجامعات وبعض المدارس المتطورة؛ ومن خلال ما نلاحظه في مضمون تلك المقررات الاختيارية، أو ساعات النشاط المدرسية أنها تفتقر للاهتمام في اختيار محتواها العلمي أو الثقافي أو الفني أو غيره، كما أنه يتكرر نوعها ومحتواها، رغم مساعينا نحو تطوير التعليم بجميع مضمونه، وذلك فضلاً على أنها لم تُضمَن كمناهج أو ساعات نشاط جزافاً من الناحية التربوية، وإنما الهدف منها هو تعزيز ما يُحصله الطالب من فائدة خلال فترة تعلمه النظامي؛ ولذلك فإنه من الأهمية بمكان استثمار تلك المقررات والساعات في مادة علمية أو ثقافية أو مهنية أو غير ذلك، مما تفتقده المقررات النظامية أو ما يحتاج منها لتعزيز مفهومه العلمي أو التطبيقي، وبما يسهم بدوره في بناء قناعات شخصية تؤصل لأخلاقيات اجتماعية وتعاملات حضارية، تتلاءم مع ما نتطلع إليه من جودة الحياة في جميع مقدراتنا الوطنية البشرية والمادية، وبما يسهم في استثمار منجزاتنا التنموية والمحافظة عليها.

 وبالإشارة إلى ما يتوارد إلى مسامعنا وأبصارنا سواء بصفة مباشرة، أو خلال ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيره من الوسائل الإعلامية؛ حول الكثير من التجاوزات المختلفة للأفراد بأشكالها المتباينة سواء في التعامل مع الأملاك والمنشآت العامة الوطنية، أو في التعاملات الخاصة بين أفراد المجتمع ومع القطاعات المختلفة، أو ذلك الإخفاق والضعف المعرفي في التعامل مع كثير من متطلبات الحياة ومستلزماتها، التي قد يتعرض لها أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، والتي يحتاج بعضها لتأهيل مبدئي مُسبق أو تدريب مسؤول لرفع مستوى الأداء وتوجيهه؛ كبرامج الإسعافات الأولية لمختلف الأعراض الشائعة في مجتمعنا، وآلية التعامل مع الحوادث المختلفة والإصابات البشرية في الظروف المختلفة؛ كالغرق وحوادث المرور والحرائق وغيرها من المفاجآت التي لا يخلو منها أي مجتمع، وتحدث داخل محيط الأسرة وخارجها، هذا بالإضافة إلى ما يمكن اكتسابه من مبادئ ومهارات أولية لمعالجة الكثير من الإشكاليات الحرفية والمهنية التي تواجهنا في حياتنا اليومية، كالحدادة والنجارة والسباكة والكهرباء وغيرها من المهارات اليدوية التي تناسب الجنسين والتي تحتاج إلى مبادئ معرفية أولية وطرق تطبيقية بسيطة، بما يُمكّن من الاعتماد على الذات في حل كثير من المشكلات التي تواجهنا في حياتنا اليومية، أو اكتساب مهارات كيفية الحصول بأنفسهم على خدمات يحتاجونها هم وأسرهم، فذلك يعزز لدى أبنائنا فكرة الاعتماد على الذات في تحصيل الخدمات، وحل المشاكل اليومية التي تواجهنا، بما يولد لديهم الثقة والاعتداد بالذات، ويحفز بدوره لديهم التفاعل الإنساني وحب التعاون والتطوع في خدمة المجتمع.

ومن جانب آخر فإن هناك من المعارف العلمية المعاصرة والمهارات، التي تتطلب التأهيل المبدئي بها، للتمكين من التعامل مع متطلبات المجتمع الحديث وحاجاته، والتي منها؛ التمكين من مبادئ التعامل مع الأمور المالية وأولوياتها الأساسية، أو تعزيز المهارات اللغوية واللغات الأجنبية والخطابة والبلاغة والأدب بأنواعه، والفنون المختلفة، والتقنية الإلكترونية، وغير ذلك مما يعتبر الآن ضرورة من ضرورات العصر، هذا بالإضافة إلى ما يمكن تضمينه كذلك من مواد علمية نظرية لثقافات متنوعة تتعلق بقضايا وطنية وعالمية تشكل أهمية فيما يعيشه عالمنا اليوم.

 ومما لا يمكن إنكاره أن لذلك جميعه المردود الإيجابي الكبير على تمكين الجيل الحالي من التعامل مع متغيرات العصر بوعي وإدراك لما يجري حوله، كما أنه يسهم في مساعدة الطالب على التعرف على ذاته ومواطن إبداعاته، بما قد يدفعه للتخصص فيه مستقبلاً، أو يدفعه لتحصيل المزيد منه بآليات مختلفة تناسب قدراته، ومن البديهي أن يتفاوت مستوى المضمون العلمي والتطبيقي لتلك المعارف والمهارات المطلوبة، بناء على درجة المستوى العلمي والمرحلة التي ينتمي إليها الطالب أو الطالبة دراسياً.

 ولذلك فإن تحقيق جودة الحياة؛ يتطلب منا مراجعة رؤيتنا وتقييمنا لفلسفة التعليم وأهدافه ومحتواه، بما يُمكّن من ربطه بحاجات المجتمع ومتطلباته من جهة، ومتطلبات العصر والتقدم العلمي من جهة أخرى، وبذلك ينجح التعليم في أن يكون الوسيلة التي يرتقي بها المجتمع، والسلاح الذي نواجه به تحدياتنا الداخلية والخارجية، وبجودة التعليم يمكننا تحسين جودة الحياة لجميع أفراد المجتمع، كما يمكننا المحافظة على منجزاتنا التنموية القائمة، والدفع نحو المزيد من النجاحات الوطنية المأمولة، بما يتلاءم مع متطلبات العصر وتحدياته.