لا أجد وصفا يليق بتقرير لجنة التحقيق المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن – التابعة للأمم المتحدة – إلا أنه سقطة قانونية فاضحة، تعكس حالة التردي الكبير الذي أصاب هذه المنظمة، والتي تراجعت من مؤسسة عالمية يتوجب عليها فرض السلام والالتزام بالقوانين الدولية، وأصبحت مطية لتنفيذ أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن الدور الحقيقي الذي أنشئت لأجله، بل إنها تحولت بفعل ذلك الضعف إلى أحد الأسباب التي تقف وراء استمرار النزاعات المسلحة، وغياب احترام القوانين. وقد هالني وآلمني حجم التردي الذي أصاب هذه المنظمة، والذي يبدو واضحا في التقرير الذي اطلعت على نسخته الأصلية، فقد صيغت كلمات التقرير وبنوده وفقراته بصورة بائسة تدعو للأسى على ما وصلت إليه الحال، ولا أدري إن كان معدو التقرير وكاتبوه يدركون حقيقة التعبيرات والأوصاف القانونية التي استخدموها أم لا، فمن المعلوم أن كل كلمة تحمل – في الشأن الحقوقي والقانوني – دلالات معينة، وترمز إلى وضع بعينه، وتهدف إلى إيصال معنى محدد، لكن للأسف غابت كل هذه البديهيات في ذلك التقرير، الذي لا يرقى إلى كونه تقريرا صادرا عن خبراء دوليين، يفترض أنهم ذوو باع طويل في القانون الدولي، ويفترض بهم التقيّد بالمعايير الدولية في إعداد مثل هذه التقارير.

بدءا فإن لجنة الخبراء الدوليين التي تم تشكيلها في ظروف معينة تدركها جميع أطراف الأزمة، ليست معنية بإدانة أي من الأطراف، أو إنحاء اللائمة على أي جهة، بل إن مهمتها الرئيسية تتركز في رصد الانتهاكات، وتوثيقها، وتحديد ماهيتها وتواريخ وأماكن وقوعها، بعيدا عن أي تفاصيل أخرى، لكنها تجاوزت كل ذلك، ونصَّبت نفسها قاضيا يصدر الأحكام القاطعة، ويحدد المسؤوليات الجنائية، والأطراف المسؤولة، وهو ما لا يتسق كما ذكرت مع طبيعتها وقدراتها ومؤهلات أعضائها، لذلك جاء التقرير مسخا مشوها، تشوبه الدوافع السياسية والأغراض الخاصة.

من أكبر الأخطاء التي وقع فيها التقرير الحقوقي هو الفشل الكبير في تحديد صفات أطراف الأزمة، فالعالم كله يعترف بالحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، من هنا فإن الوصف الطبيعي للحوثيين هو أنهم انقلابيون، وهو ما أقرت به الأمم المتحدة نفسها في قراراتها السابقة، وفي مقدمتها القرار 2216، الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع، والذي يصف الحوثيين بأنهم انقلابيون، بل فرض عقوبات على زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، ووضعه في خانة الشخص المطارد من القانون الدولي. ومما يثير العجب والسخرية أن تعود الأمم المتحدة عبر فريق خبرائها الدوليين لتصف ذات الشخص بأنه «قائد للثورة»، وتصف ميليشياته بأنها «قوات وسلطة أمر واقع» بالمخالفة لما صدر عن لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن والتي أصدرت قرارا يتضمن تسمية عبدالملك الحوثي معرقل العملية السياسية ووضعته على قائمة المطلوبين والمجمدة أموالهم. فكيف يأتي تقرير اللجنة التابعة للمفوضية السامية بوصف يخالف تماماً القرار الذي أصدره مجلس الأمن. ومما يثير الأسى والشفقة أن يصف التقرير قوات الجيش الوطني اليمني بأنها «ميليشيات موالية لهادي»، ويطلق على عملية تحرير الحديدة التي يدعمها التحالف العربي الذي تأسس بطلب رسمي من الحكومة الشرعية وأيدته الأمم المتحدة ودعمته الدول الكبرى بأنها «عدوان».

كذلك أحجم التقرير الضعيف عن إدانة الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات، واستغلالها للمدنيين والأطفال دروعا بشرية، واعتداءاته بالصواريخ الباليستية الإيرانية على المدنيين في القرى الحدودية، ولم يوجّه الإدانة الكافية للدور الإيراني السالب، المتمثل في تزويد المتمردين بكافة أدوات الموت ووسائل الدمار بحجة أنه خارج عن ولاية الفريق. ولست في معرض تحديد الهفوات والأخطاء الشنيعة الكارثية التي وقع فيها ذلك التقرير، فهي أكثر من أن تحصر، فقد أسرف المسؤولون عنه في الانحياز الأعمى للميليشيات الانقلابية، ويكفي القول إن رئيس الفريق لم يقم بزيارة اليمن منذ اندلاع الأزمة سوى مرتين، لا تكفيان بطبيعة الحال للإلمام بالتفاصيل، والوقوف على حقيقة الأمر عن كثب، مما يؤكد وجود القصد السياسي السالب، الذي يتمثل في أن الأطراف التي تريد استمرار الأزمة في اليمن، وتحرص على بقائها في حالة عدم استقرار، هالها وأفزعها ذلك التقدم المتلاحق الذي تحققه قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بإسناد من قوات وطائرات التحالف العربي، فأرادت أن تتحرك سريعا لمد يد العون للإرهابيين، ولم تجد بطبيعة الحال مطية مواتية سوى تلك اللجنة، فاستغلتها وأوعزت إليها بإصدار ذلك التقرير.

ما تقوم به الأمم المتحدة في اليمن، والطريقة التي تتعاطى بها مع تلك الأزمة تسهم للأسف في تأجيجها واستمرارها، عبر تشجيع الانقلابيين على مواصلة انتهاكاتهم بحق المدنيين، وتحريضهم على التعنت قبل أيام قلائل من انطلاق مشاورات جنيف، وتمنحهم أوصافا لا يستحقونها، وهو ما يمكن تفسيره على أنه إشارة لهم بالتمسك بنفس مواقفهم التي أفشلت جولات الحوار السابقة، والإصرار على البقاء في نفس المربع القديم، لكن ذلك لن يثني الحكومة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية عن سعيهم الدؤوب لاستعادة اليمن إلى حضنه العربي مجددا، وإزالة الكابوس الذي جثم على صدور اليمنيين لعدة سنوات، فالأمة العربية لن تتوانى عن دعم مهد العروبة، والمملكة وبقية دول التحالف سيواصلون مد أيادي العون لأبناء العمومة والجوار مهما تعددت التقارير.