ينشأ القانون -بطبيعة الحال- انعكاسا لمتطلبات المجتمع في شتى النواحي، فعندما تظهر مشكلة ما، لنَقُل انتشار ألقاب مثل مستشار أسري، ويعمل هؤلاء دون مظلة تنظيمية، فعندها نحتاج إلى وضع قانون ينظم شأن هذه المهنة، حماية للنسيج الاجتماعي للمجتمع من محتالي الألقاب.

يقودنا هذا الاحتياج التنظيمي إلى ظاهرة انتشرت في بعض الدول العربية، ظاهرة نسخ القوانين، ومنها قوانين التجارة والاستثمار، والأخص الاستثمار الأجنبي.

كما قلت، القانون ينشأ بناء على متطلبات المجتمع، إذًا فالقوانين المنسوخة نشأت في ثقافة تختلف أعرافها التجارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن البلد الناسخ للقانون.

للأسف، يمتد هذا النسخ إلى نواح عدة يصعب الحديث عنها كلها في مقال واحد، لكن الإشكال هنا أعمق من ذلك بكثير. عندما تكون ثقافة مستهلكة لا منتجة فما يحدث شيءٌ متوقع لا شيء غريب.

هل هناك مدرسة قانونية عربية نباهي بها الحضارات الأخرى؟ بالطبع لا، بل حتى محاولات تقنين الشريعة آلت إلى الفشل بسبب أو لآخر، ولا توجد دولة في العالم تحكّم الشريعة مباشرة كقانون لا كمرجعية، لماذا؟ لأن الشريعة في مجملها عامة لا خاصة، ومتطلبات الدولة والمجتمع تحتاج التخصيص، لهذا يلعب القانون دورا مهما، وعلى كل حال، ألم يحن الوقت لأن ننهض قانونيا على الصعيد العربي؟!

هذا يحتاج بحثا علميا قانونيا جادا، وترسيخا لثقافة سيادة القانون في المجتمع على صعيد المؤسسات، حكومية وخاصة، وعلى صعيد الناس، لذلك كمثال فإن إتاحة دراسات الفرق التشريعية في الدول العربية للمختصين القانونيين مهمة، لمعرفة إرادة المشرع وسياسته تجاه مسألة ما، وبالتالي عند معرفتها يسهل عندئذ تفسير القانون إذا احتاج الأمر، عند الغموض في النصوص أو العمومية، والتي أحيانا تكون متعمدة تماما لأن المسألة المراد تنظيمها شائكة، وتُترك فيها مساحة للسلطة التقديرية للقاضي حسب حيثيات القضية.

للأسف، تعدّ الدراسات التشريعية في كثير من الدول العربية من باب السرّية، لا يطلع عليها إلا أعضاء تلك اللجان التشريعية، بل دراسات هذه اللجان قد تفيد قاضي الموضوع للتوصل إلى حكم عادل. لذا، من المهم إتاحتها من باب الشفافية للمختصين على الأقل، وأساتذة الجامعات القانونيين، والذين هم أبعد ما يكون عن الواقع العملي! الدراسات التشريعية متاحة في أميركا مثلا، لماذا لا تتاح لدينا؟

عودا على نسخ القوانين، هذا لا يعني طبعا عدم الاطلاع على القوانين في الدول المتقدمة من باب الدراسات المقارنة، فقد تؤخذ بعض المبادئ المفيدة، لكن نسخ القانون بالكامل أو جزء كبير منه، هو أمر غير محبب، وربما هو كسل لأن دراسة مشروع القانون تأخذ وقتا طويلا، ولها إجراءات صارمة من جمع للبيانات وتحليلها، واستطلاع آراء المتخصصين.

فمثلا، إذا أردنا وضع قانون للأسرة في السعودية، فسنحتاج طبعا إلى علماء نفس، واجتماع، يقدمون مرئياتهم وهكذا.

النسخ دليل ركاكة الثقافة القانونية، وآمل أن نبتعد عن ذلك!.