تعتبر التغذية السليمة هي الأساس لنمو الأطفال ووصولهم إلى حياة صحية بالمستقبل، وتشير الأرقام المحلية إلى تفشي داء السمنة بين الأطفال بشكل «مخيف»، حيث يصل معدل السمنة وزيادة الوزن بين السعوديين إلى أكثر من (70%)، خصوصا بين الأطفال والشباب الذين يمثلون ما لا يقل عن (50 %) من السكان، كما تشير المعلومات إلى إصابة أكثر من 3 ملايين طفل في المملكة بمرض السمنة، وأكثر من (36%) من سكان المملكة مصابون بمرض البدانة القاتلة، ومن الأسباب الرئيسيّة لتلك الظاهرة هي:

1. غياب التخطيط السليم للمدن واختفاء أماكن ممارسة الرياضة والمشي بالأحياء «بسبب استيلاء تجار المخططات عليها»، وعدم رقابة المسؤول.

2. التغذية السيئة بالمدارس.

3. انعدام ثقافة الصالات الرياضية وبناء الجسم السليم.

4. الكسل واللامبالاة وقلة الوعي المجتمعي بخطورة السمنة.

نتج عن تلك السمنة المفرطة ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وانسداد الشرايين والجلطات، حتى أصبحت الإصابة بالجلطات وحمل كيس كبير من الأدوية هما هم المواطن «الخمسيني» الذي يطلق عليه محلياً «الشايب» وتصنفه منظمة الصحة العالمية كشاب، علماً بأن سن الشباب يعتبر حسب تصنيف المنظمة اعتبارا من سن الخامسة والعشرين إلى الخامسة والستين.

نعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء ونتذكر البرنامج الرائع الذي ابتدأ في عهد الملك خالد «رحمه الله» واستمر من 1976 إلى 1981، حيث بدأت وزارة المعارف آنذاك بتوزيع علب التغذية المدرسية المجانية على كافة المدارس في المملكة، بعد أن تم التعاقد مع شركة أوروبية للقيام بتلك المهمة. كان لبرنامج التغذية المدرسية مميزات عديدة ومنها:

1. مجانية الوجبة.

2. جودة الطعام وتنوعه.

3. الحفاظ على صحة الأطفال على المستوى الطويل، حيث كانت الوجبات تعد بواسطة شركات سويسرية وفرنسية وإيطالية رائدة في صناعة الأطعمة، وكانت الوجبات مكونة من حليب، وعصير برتقال، وأجبان سويسرية أو فرنسية، اللحم البقري، الدجاج، فضلاً عن السلطة المكسيكية والكيك والفول السوداني مع علب ماء للشرب، إضافة على ذلك كانت الملابس الرياضية توزع مجاناً للتشجيع على ممارسة الرياضة، وأكاد أجزم أن خريجي ذلك الجيل أكثر صحة وكفاءةً وحيوية من أطفال هذا الجيل.

 يتكرر الجدال والنقاش السنوي والتحذير من سوء التغذية المدرسية دون حلول واضحة من وزارة التعليم التي تنوء بحزمة ضخمة من المشاكل والصعاب والتحديات، والتي «ورثت» ما تنوء الجبال عن حمله من مدارس مستأجرة ومقاصف عشوائية ومناهج معلبة، ولذلك يجب إعطاؤهم فرصتهم كاملة لتصحيح تراكمات سنوات طوال، ولعل التعاقد مع إحدى الشركات المحلية لم يفِ بالغرض لسوء جودة الطعام المقدم من كروسونات وعصائر محلاة وفطائر وتوفر أنواع الحلويات والشوكولاته، يجب علينا النظر بموضوعية لهذا الملف فالوجبة الصحية المدرسية «توفر» المليارات على المدى الطويل من ميزانية «المملكة» الصحية، بسبب تسوس الأسنان وظاهرة «انتفاخ» الأطفال التي تؤدي إلى خسائر صحية مهولة بمستقبلهم، وتؤخر إنتاجيتهم وعطائهم بسبب أمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والشرايين، فما حاولت الدولة ترشيده بإلغاء ذلك النظام فقدته نتيجة الصرف العالي على الميزانية الصحية السعودية، حالياً المطالبة بإحياء ذلك النظام تعتبر من الصعوبة بمكان، ولكن جل ما نريده هو شركات أطعمة متخصصة عالية الجودة تقوم بتشغيل المقاصف المدرسية وتكون مراقبة بشكل صارم من هيئة الغذاء والدواء والصحة العامة بوزارة الصحة.

وحتى ذلك الحين ومع قلة حصص الرياضة المدرسية التي تنحصر بكرة القدم والوجبات المفعمة بالسكر والنشويات وما ذكرناه من أسباب أخرى سوف نستمر في رؤية أبنائنا وبناتنا الزهور مكتظين بالشحوم، محمري الأوداج، لاهثي الأنفاس، لأن غذاءهم لم يكن من أولويات المجتمع، ولاستسلامنا للواقع وتسليم «الوزارة الموقرة» أبناءنا «طيور» المستقبل كوجبة كاملة الدسم لـ«قصابي» المقاصف المدرسية.