بينما نعيش بعض الفرحة لما تحقق من انتصار للمرأة وتمكينها في بعض الجوانب التي كانت حقوقها فيها مهضومة، نرى ردود الفعل المخجلة المتمثلة في ذلك الامتعاض، وعدم القبول من البعض الذي تصادم هذا التمكين مع مبادئهم القبلية العتيقة، وتأسيسهم العنصري، حيث اعتبروا ذلك التمكين وخيط الحرية الذي أمسكت به المرأة بداية الانهيار وخراب الديار، وكأن المرأة هنا كائن مسعور كان مربوطا زمنا ثم أُفلت وفي إفلاته خطر عظيم!! متجاهلين أن الرادع إذا لم يكن داخل المرأة من أخلاقها ودينها فلن يردعها شيء آخر.

عجبا لهم وهم لا يخجلون من ردود أفعالهم هذه أمام الدول، والتي تدل بالدرجة الأولى على عدم ثقتهم بمن حولهم من نسائهم وبناتهم، كما أنها إشارة قوية إلى سوء معتقدهم من أساسه، ولو فرضنا -وهذا لن يحدث- أن بعض وساوسهم تحقق، فهذا سببه بالدرجة الأولى كبتهم لها وعدم تجاوبهم مع حقوقها زمنا، وطول الكبت كما قد قيل يولد الانفجار.

ثم لنترك هذا جانبا فهو أمر لم ولن نستغرب له في مجتمع اعتقد قرونا أن المرأة كائن مُسيّر، عارٌ، وعورة، وظيفته الوحيدة في هذه الحياة الطاعة والزواج، ثم الطاعة والإنجاب والتربية والخدمة فقط، لكن الأغرب من ذلك عندما تتعالى صيحات ودعاوى إثبات حقوق الرجل في وثيقة الزواج!! عجبا!! أين هم عن حقوقها دهرا عانت فيه من القهر والتنمر، والإخضاع لأوامر الرجل والإقامة الجبرية في بيت الزوجية مهما كانت ظروفها خيرا أم شرا؟!!!

أين هم وهي تمنع من ممارسة حقوقها المشروعة التي لم يمنعها الدين، بل شرعها وأقرها؟؟

أين هم عندما عُضلت، وعُنِّفَت، وحرمت من الميراث، والتعليم والوظيفة، والوظائف المختلطة بحجة أنها عار وعورة!!؟؟؟

ترتفع الدعاوى من بعض من نعدهم مثقفين لإقرار حقوق الزوج في عقد النكاح، بينما كان أقصى حق يمكن إثباته للمرأة في عقدها المهر والسكن، والمأكل، حقوق لا تزيد على حقوق أي كائن حي آخر، وقصدي هنا واضح.

عندما كانت لهم الهيمنة والغلبة وحق التملك كانوا قريري الأعين مرتاحي الضمائر، وهم يسيّرونها كما تمليه عليهم الملكية الشخصية، لم تتحرك منهم قلوب ولا أقلام، وعندما بدأت حقوقها ترى النور انتفضوا انتفاضة المخلوع من ملكه.

متى يعي مثل هؤلاء أن ما أُقرّ للمرأة من حقوق مؤخرا هو حقوق مشروعة دينيا، وما كانت إلا مؤجلة لأسباب مجتمعية لا غير؟ متى يعي مثل هؤلاء أن المرأة في هذا الزمن إذا لم تأخذ حقوقها بالتفاهم والإقرار سوف تأخذها بالقوة، وأن زمن التنمر والتسلط انتهى، وهذا زمن العلم والوعي والحرية الشخصية، هذه الحرية التي قضّت مضاجعهم، وسلبتهم راحتهم.

أخيرا، لن يظن بفساد المرأة بعد إقرار حقوقها إلا من في قلبه مرض، و تفكيره علة، أما السليمة قلوبهم والراقي تفكيرهم فلن يظنوا في ذلك إلا خيرا وبداية لعهد جديد، عهد إنصاف وعدل، لا خطر منه ولا استنقاص لأحد، وأن الحرية والحقوق التي أُعيدت للمرأة لا خطر منها على الشرف والكرامة، لا عند من كان لديه الاستعداد للفساد، وهذا بعيد جدا عن نساء هذا البلد المتدينات الشريفات المثقفات.