قناة السويس، ملحمة المصريين الكبرى، فيها تتجلى عصامية الشعب المصري وكفاحه في تحقيق المعجزات، المعجزة تلو المعجزة، من بناء هرم خوفو حتى شق قناة السويس، القناة التي ربطت الشرق بالغرب، من أقصر الطرق وأسهلها وأقلها تكلفة.

واليوم، القناة تمثل أهم رقعة جيو- سياسية تملكها مصر، فهي تعدّ حلقة الوصل بين مراكز الاتصال بين أوروبا الغربية وأسواق الاستهلاك في جنوب شرق آسيا، وحركة الملاحة لا تنقطع فيها، ليلا ونهارا، وقوافل السفن العملاقة لا تنقطع عن المرور بها، ذهابا وإيابا، طوال أيام السنة، فهي الشريان المائي الأهم لنقل النفط إلى الأسواق العالمية بأقل التكاليف، وفي أقصر وقت نسبي.

لذلك، كانت القناة على الدوام في ذهن مخططي السياسة الإمبريالية، وعنصرا مهما في المطامع الاستعمارية بالمنطقة العربية، فقد دارت حولها معارك ومنافسة شرسة، وصراع مستميت للاستيلاء عليها، ففي الحرب العالمية الأولى اندفعت القوات التركية «المتحالفة مع ألمانيا» إلى السيطرة على القناة، معتمدة على أنها صاحبة النفوذ السياسي والديني والمعنوي على المنطقة، وكانت القناة محور الصراع بين القوى الاستعمارية الساعية إلى نهب خيرات مصر.

فإن للجغرافيا دورا فاعلا وأساسيا في التأثير على الصراعات السياسية، ومن يحكم البحار يحكم التجارة، فما بالك بمن يحكم قناة السويس، الشريان المائي الأهم والأخطر على مستوى العالم. وأهميتها الإستراتيجية لم تكن خافية على القوى العظمى، وهي تفرض على مصر وتركيا بنود معاهدة القسطنطينية عام 1888، والتي تضمن حرية الملاحة والعبور في قناة السويس.

فماذا تمثل هذه القناة للسياسة التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية؟

بالنسبة للأتراك، فالسيطرة على قناة السويس ستعزز من فرصهم السياسية، وتمنحهم سهولة نقل قواتهم العسكرية عبر القناة، وصولا إلى منطقة البحر الأحمر.

فاهتمام تركيا بالممرات المائية لم يأت من فراغ، وإنما له مبرراته ومسوغاته الإستراتيجية، وقناة السويس تأتي على رأس هذه الاهتمامات، والسيطرة عليها تعني التحكم في حركة التجارة الدولية، ولن يجد الأتراك فرصة سانحة أفضل من وجود تنظيم الإخوان المسلمين على كرسي الحكم في مصر آنذاك، وهذا يفسر بوضوح أسباب التقارب السياسي بين حزب العدالة والتنمية وتنظيم الإخوان المسلمين.

ولو افترضنا استمرار وجود محمد مرسي وحزبه في رئاسة مصر، ستكون هناك اضطرابات متوقعة، وهذه الاضطرابات

إما حقيقية أو مفتعلة، وهي ستعطي تركيا المبرر لإنزال قواتها للسيطرة على قناة السويس، مما يعني أن مصر ستفقد دورها الإقليمي، وتصبح مجرد دولة تابعة للسياسة التركية.

فكل التمزقات الحاصلة في المنطقة العربية تصب في مصلحة الأتراك الذين يطمحون عمليا، إلى أن يجعلوا من تركيا قائدة للعالم الإسلامي.

إن الأدوار غير المريحة التي تلعبها تركيا في العقد الماضي، والتدخل الصارخ في شؤون العالم العربي يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول طموحاتها التوسعية التي ستعززها السيطرة على قناة السويس، ولا يقف في وجه هذه الطموحات سوى النفور العربي الذي ترسّب من أيام الدولة العثمانية، فقد عاش العرب في ظل حكم العثمانيين أسوأ حقبة في تاريخهم، ولم يزل تاريخ الأتراك يطاردهم، ويصنع ممانعة نفسية عند الشعوب العربية، من عودة شبح الأتراك من جديد.

وفي محاولة لتحسين صورتها، وتبييض صفحة تاريخها الدامي، ستبذل تركيا كل طاقتها خلال قوتها الناعمة وأدواتها الإعلامية، لكسر كل الحواجز النفسية وإذابة جليد الممانعة، عن طريق استخدام ورقة من يسمون بالدعاة وأصحاب الخطب العصماء، لتسويق صورة الرئيس التركي وحزبه، وتقديمه للعرب بصفته حامي حمى الإسلام.

من الطبيعي القول، إن مصر مستهدفة، ومحاولات التسلل الناعم إلى قلب مصر لم تتوقف، بداية عبر الدراسات الاستشراقية أيام الاستعمار، ثم عبر وسائل اقتصادية وسياسية، كما تمارسه بعض القوى العظمى الآن، وهناك من يحاول أن يتسلل إلى مصر خلال الدين والإسلام، مثل تركيا.

وتركيا خلال هذا المخطط الساعي نحو بسط النفوذ على أهم ممر مائي في العالم، فإنها ستتحكم في حركة التجارة، وبالتالي ستبدأ في مغازلة الدول الأوروبية ومقايضتها منفعة بمنفعة، على حساب مصر وشعب مصر.