في مبادرة جريئة ومنسية أيضا ابتدأ استشاري سعودي اسمه الدكتور بادي العنزي مشوار الفعل على حساب (الحكى) والهرج، وهو يعلن استعداده لتدريس مادة طب الأطفال لطلاب جامعة شقراء التي تحول حديث مديرها إلى سهرة شتم وحفلة ردح، ومع هذا أشك في أن مبادرة الدكتور بادي العنزي ستجد لها سندا نظاميا بالتدريس في جامعة لا ينتسب إليها وسط مكبلات البيروقراطية وجفاف الأنظمة.

سنعود للخيط الأول من القصة: ما قاله مدير جامعة شقراء في حواره الشهير مع طلبته ليس إلا تشخيصا واقعيا وحقيقيا إذا أردنا أن نستمع إلى العقل والصواب في زمن الشتم والردح، ما ذكره هو بالضبط لسان حال كل مدير جامعة ناشئة في المحافظات أو في الأطراف النائية، لكننا جميعا ذهبنا إلى مرارة التعبير وجفاف اللغة في تصريحه وتركنا تشخيص الواقع الصادق جدا في معاناته.

سأقولها بكل صدق وللأمانة مع الوطن وأبنائه: توسعنا الكمي الهائل في خارطة التعليم العالي الذي وصل بالتقريب إلى كل محافظة على الخريطة الوطنية ليس إلا ظلما واضحا لآلاف الشباب من الجنسين، لأنهم في هذه الجامعات والكليات لن يتلقوا حتى الحد الأدنى من معايير التعليم النوعية. من هو أستاذ الجامعة الذي يثق بمؤهلاته؟ أو من هو الاستشاري الذي سيترك «بيزنس» الرياض الخاص أو رفاهية جدة أو مدارس الظهران لأولاده، ثم يقبل بالذهاب إلى محافظة نائية أو بلدة صغيرة؟. هذه الجامعات وفروعها من الكليات المختلفة لن تجد لتغطية قاعتها إلا بقايا البيعة تالي السوق أو الاستعانة بقوائم الصديق الدكتور موافق الرويلي، في توثيقه (الهلكوني). هذه هي الحقيقة، في جامعتي يتم تعيين العشرات من المعيدين في كليات المحافظات، وبعدها يتحول كُثر منهم إلى مراجعين شرسين للنقل إلى المركز الأم في أبها. تكتشف مثلا أن هناك كلية طب في مدينة القنفذة وهي محافظة تستحق كل شيء إلا أن نظام هؤلاء النوابغ الأذكياء من أولاد تلك المحافظة الذين كان بالاستطاعة استقطاع نسبة قبول لهم في كليات طب المدن الكبرى، كي يحصلوا فعلا على بيئة تعليم أشك تماما أن يحصلوا عليها في كل ظروف هذه الكلية، لكن المؤكد أن الأهالي  لا يدركون أنهم يضحون بمستقبل أولادهم عبر ثقافة «المعاريض» التي يجب ألا يرضخ لها أي قرار مصيري.