حكت لي صديقتي البريطانية بذهول عن انكشاف أمر الرجل الخمسيني الوقور الذي يعمل منذ سنوات مديرا لمدرسة خاصة يرتادها أبناؤها وكف يده عن العمل وإخضاعه للتحقيق بسبب تحرشه ببعض الطلبة في المدرسة.

هذا الرجل ذو السلوك الصارم والذي نادرا ما يبتسم لأولياء الأمور، صاحب الوظيفة المرموقة في مدرسة يرتادها أبناء الأسر المتعلمة والمقتدرة اقتصاديا، والذي يصنَّف من ذوي الدخل المرتفع، هو رجل متزوج ولديه أطفال، ويعمل منذ أعوام عدة في مجال التعليم، ولم يبدُ عليه أي مؤشر يدعو للقلق أو الريبة، خصوصا مع تحقيقه الأهداف المرجوة في عمله، وحصول المدرسة خلال إدارته على تقييم استثنائي من مقيمي Ofsted في كل بنود التقييم.

 لكن كل هذه التفاصيل لا تلغي حقيقة أن المدرسة كانت تحت إدارة كائن شرير يتربص بالأطفال ويلوث طهرهم ويقتل براءتهم، ولا أستطيع تصور كابوس أكثر رعبا على الأمهات من تواجد أطفالهن في مكان واحد مع متحرش، إلا أن يكون هذا المتحرش من ذوي السلطة في مكان يرتاده الأطفال يوميا.

كان من الصدف أن تخبرني صديقتي بهذه القصة الصادمة في نفس اليوم الذي يتم فيه إسقاط توصية مقدمة من عضوي مجلس الشورى الدكتورة موضي الخلف والدكتورة نورة المساعد، بإنشاء سجل وطني للمتحرشين بالأطفال لضمان عدم انخراطهم في مهن تسمح لهم بالتعامل مع الأطفال، وذلك بعد ثبوت إدانتهم وإيقاع العقوبة المناسبة عليهم، ومع انزعاجي من إسقاط هذه التوصية إلا أنني آمل أن يؤدي هذا الرفض -والذي آمل أن له أسبابا مقنعة عند رافضيه- إلى المزيد من الشفافية والوعي عند الحديث عن جريمة التحرش بالأطفال تحديدا، فغض الطرف عن هذه الجرائم يسهم في زيادة عدد الضحايا والمتحرشين كذلك.

علينا أن نواجه قضايانا إذا أردنا حلها، فالمطلوب هنا ليس التشهير بأي شخص، بل وضع قانون استباقي يمنع جريمة التحرش قبل حدوثها، فالخوف من الفضيحة رادع مهم في مجتمعاتنا.

كما أن توفر سجل وطني للمتحرشين والمدانين في قضايا أخلاقية عموما سيجعل المجتمع أكثر أمنًا بإبعاد المجرم عن الضحايا المحتملين من الفئات المعرضة للخطر، كالأطفال والمراهقين وذوي الاحتياجات الخاصة. ولا يختلف عاقلان على أهمية ذلك في حماية مستقبل هذا المجتمع من الآثار المدمرة لجريمة التحرش التي تمتد عمرا طويلا بعد وقوعها في لحظة غفلة من الأهل وإهمال من النظام، وعلينا أولا أن نعي أن المتحرش لا ملامح له، وقد يكون مثلا مديرا خمسينيا مرموقا في مدرسة خاصة.