الأخطاء الطبية هي جزء من العملية الطبية، وتحدث نتيجة نقص خبرة، أو المحصل التعليمي للممارس الصحي، وهي ظاهرة عالمية واقعة، وإن تم تضخيمها في الآونة الأخيرة عالميا، لتستفيد شركات التأمين وتتهرب من دفع مبالغ طائلة بحجة الأخطاء البشرية، والفرق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات هو خيط رفيع يختلط على كثير من الناس، وأصبح مفهوم الخطأ الطبي يزجّ به في كل شاردة وواردة، رغم أن غالب القضايا تتعلق بمضاعفات طبية معروفة منذ عشرات السنين لعمليات أو أمراض معروفة.

تشير الأرقام المنشورة في إحدى المجلات الطبية المرموقة «المجلة الطبية البريطانية»، إلى أن الأخطاء الطبية هي السبب الثالث للوفيات في الولايات المتحدة، بعد الأمراض القلبية الوعائية والسرطان، إذ تحصد أرواح نحو 250 ألف شخص سنويا.

ولا إحصاء رسميّا عن الوفيات الناجمة عن الأخطاء الطبية، ولكنها تقديرات تختلف حسب أنواع الأبحاث المنشورة.

أما محليا، فاختلط الحابل بالنابل، فلا يوجد أي إحصاءات والموجود فقط صرخات «صحفية» وعناوين «براقة» لجذب الانتباه وخدمة «الأصحاب»، وممارسة الضغط المعلن على الوزارة «المنهكة»، وبعد عقود من «الصراخ» أصبحت ثقافة الأخطاء الطبية هي السائدة، ويقوم المريض بتقديم الاتهام حتى قبل إجراء العملية أو التنويم، من باب «جهز العصبة قبل الفلقة».

طبعا لا نبرئ الإخوة الأطباء من ساحة الأخطاء الطبية، والتي تعود أكثر أسبابها إلى:

1 - انعدام التواصل السليم مع المريض قبل إجراء العملية أو الإجراءات الطبية، وعدم الشرح الكافي للمضاعفات الطبية التي قد تنتج.

2 - عدم خلق علاقة جيدة مع المريض وعائلته قبل الإجراء الطبي.

3 - إظهار اللامبالاة تجاه المريض وعائلته بعد حدوث الخطأ أو المضاعفات الطبية.

أما المضاعفات الطبية، فهي باختصار نوع من أنواع «القدر المحتوم» الذي لا هرب منه. فنزفٌ بعد عملية، أو التهاب بعد جراحة، أو عدم استجابة لمضاد معين، فتلك سنّة الحياة، وما الطبيب إلا سبب، فالشافي هو رب العباد، وهو سبحانه من يكتب الأقدار. ويشهد العالم سنويا إجراء حوالي 230 مليون عملية جراحية كبيرة، إذ تراوح معدلات المضاعفات المهمة بين 3 -16%، فيما تراوح معدلات الوفاة بين 0.02% إلى 10%. ويجب على الطبيب المسؤول توضيح هذه النسب العالمية للمريض بصراحة قبل أي إجراء، والشرح الوافي وعدم تبسيط الأمور ثم البكاء على الأطلال.

أكبر المشكلات الحقيقية التي اكتسبناها من دندنة «الأخطاء الطبية»، هو تخوف الأطباء من إجراء العمليات ذات الخطورة العالية، ومن قبول بعض الحالات الصعبة من المستشفيات الأخرى، لعلمهم وتخوفهم من الهجمة الشرسة التي سيتعرضون لها في حالة «المضاعفات» الطبية المتوقعة، والمشكلة الأخرى هي محاولة بعض الأطباء التعامل بحذر شديد مع كل مريض، مما يزيد من نسبة التحاليل والأشعات المقطعية، خوفا من «الملامة» والشكاوى الطبية.

وعند أول معضلة نقرأ الهاشتاقات والتغريدات والتعليقات التي ينجرف وراءها كثير من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي، دون تثبت من الحقيقة، متناسين قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين».

ورغم أننا نتحدث كثيرا عن الصبر في المصائب، ونكرر إرسال الأحاديث والآيات الكريمة التي تتكلم عن الصبر والإيمان كل «جمعة»، ولكن نرى العكس، والذي يثبت أننا شعوب لا نؤمن بالقدر.