إنه وقت صعب أن تكون فيه أباً أو تكونين فيه أماً، سابقا.. كان الطفل يلهو ويلعب تحت أنظار والديه، يتتبعون بعيونهما كل تحركاته، يطلعان بشكل دوري على كل اهتماماته ومستجداته، أما اليوم فقد بات الأمر يختلف كثيرا. إن مستويات الحرية التي يتمتع بها الأطفال في هذا الزمن أكبر بكثير من تلك التي تمتع بها أطفال التسعينات أو أطفال الثمانينات أو أطفال السبعينات، وسبب هذا التمدد والاتساع في الحدية يرجع في أحد جوانبه لاستخدام الهواتف الذكية، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الحرية المتمثلة في الفضاء السيبراني الواسع قد لا تبدو واضحة لك فهم يتمتعون بها دون الحاجة للخروج من غرف نومهم. لكن السؤال هو هل يحق لك كأب أو كأم اقتحام مساحة أطفالك الرقمية والخوض في كل رسالة يرسلونها أو يتلقونها؟ قد تستطيع أن تحمي طفلك من متحرش يتعرض له في الشارع، ومن زميل دراسة يتنمر عليه لفظيا، لكن ما هي أفضل طريقة لحمايته من الأشخاص المريبين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن صورة إباحية قد تظهر له بعد بضع نقرات دون أن يبحث عنها بالضرورة. كيف نوفر الأمان الفكري والنفسي رقميا لأطفالنا دون أن نقتحم مساحتهم الخاصة ونتطفل عليهم؟

تقول «ليز ستانتون» وهي ضابطة شرطة بريطانية سابقة تقدم المشورة للوالدين والمعلمين حول خصوصية الأطفال الرقمية، إنه يفترض الإيمان بفكرة أن أطفالنا مواطنون رقميون. لهم عوالمهم الخاصة في الإنترنت وأن التكنولوجيا جزء من حياتهم اليومية، ولا ينبغي لنا أن نفترض أنهم يسيئون استخدامها أو يتعرضون للإساءة، فقط لأن ذلك احتمال وارد.. ويمكن تنسيق الإعدادات في هواتف أطفالنا على الرقابة وإيقاف تشغيل أجهزتهم في وقت محدد من اليوم، ولكن لعله من الأكثر فعالية التحدث للطفل وجها لوجه ومساعدته على أن يكون مواطنا رقميا جيدا.

تقوم الهواتف الذكية بتحديث معلومات أطفالك ومعرفة مكان تواجدهم على مدار الساعة، وعليك كأب أو كأم أن تتقبل أنك لن تتمكن مطلقًا من مراقبتهم دائما، بغض النظر عن مستوى اهتمامك وتتبعك. إن الحوار المستمر الذي يشجعهم على المراقبة الذاتية سيكون أكثر فعالية من دورك الرقابي عليهم. فكما نعلمهم كيفية عبور الطريق بأمان إذا كان يعج بالسيارات المسرعة، نحتاج إلى تثقيفهم حول كيفية استخدام هواتفهم الذكية بحكمة وروية. لا يمكن أن يكون الرصد الدقيق الأداة الوحيدة التي تعتمد عليها عندما تعبر الطريق المزدحم مع أطفالك والأمر نفسه ينطبق على الأجهزة التي يستخدمونها.

يشير أيضا الدكتور النفسي «كلوي بيدوسيس ميتشل» إلى أنه إذا شعر الطفل أنه تحت المراقبة المستمرة فقد يستوعب فكرة أنه غير موثوق به سواء في العالم الحقيقي أو الرقمي، وهذا الشعور غير صحي للطفل وقد يأتي بعواقب وخيمة. تحظى تطبيقات مراقبة المواقع الرقمية باهتمام من قبل الكثير من الآباء ولكن الأجدر من ذلك هو أن يزرع الوالدين الثقة في أبنائهم وبناتهم أكثر من أي شيء آخر. الأولى من الرقابة والمعاقبة الجلوس والنقاش بهدوء، أن تشرح لطفلك أو طفلتك أفضل الطرق لاستخدام التطبيقات، تنبيههم من المخاطر والمحتويات المسيئة، ثم متابعتهم أولا بأول للسماع لهم ومعرفة طبيعة استخدامهم للتقنية ومستجدات ما تعلموه منها. لا تراقب أطفالك على مواقع التواصل، هكذا يقول الخبراء في الاتصال، بل امنحهم الثقة وإذا اضطررت للرقابة فحاول تقليصها وعدم جعلها ملحوظة قدر المستطاع.