خرج المعلم هيثم بعد انتهاء الحصة الأخيرة من فصله، بعد نهار شاق وطويل، وهو يمسح قطرات العرق عن جبينه، ومر كعادته في كل مرة على مكتبة المدرسة فوجدها خاوية على عروشها..

وتساءل في حرقة وألم: لماذا لا يقرأ الطلاب؟

وهمس لنفسه: هل الاشتراك في تحدي القراءة العربي هو الحل؟

قفز الأستاذ هيثم من مكانه منتشيا.. نعم هو الحل.. لكن ماذا عن 24 حصة ينوء بها كاهله..

همس لنفسه: لا بأس.. الأمر يستحق العناء..

ومن إرهاق الحصة الأخيرة ابتدأ الأستاذ هيثم الخطوة الأولى نحو تحقيق حلمه الأثير في إحياء قيمة القراءة في أرواح الطلاب قبل عقولهم.. ومضى يحارب وحيدا دون حلمه..

احتاج معلم اللغة العربية في مدارس السلام الأهلية بالخبر إلى ثلاث سنوات متواصلة من العمل الدؤوب، والجهد المتواصل، لكي يحقق حلمه النبيل..

وضرب أروع الأمثلة لطلابه في الإخلاص والمثابرة رغم مهامه الأخرى، فأنفق كامل وقته وجهده في سبيل غرس هذه القيمة الإنسانية الحضارية السامية في نفوس طلابه.. حتى قدرت له إدارة المدرسة هذا العطاء المتدفق ففرغته لمشروعه العظيم، وكانت تلك نقطة التحول التي حلقت بمدارس السلام إلى المركز الأول على مستوى المملكة العربية السعودية، حيث بلغت نسبة الطلاب الذين قرؤوا عشرة كتب على الأقل 100%.

كيف قاد الشاب الطموح هيثم إبراهيم شهاب الدين أكثر من 600 طالب إلى منابر القراءة، كيف زرع فيهم الشغف بالكتب في زمن يضج بالسوشيال ميديا ويغرق في فتنة الألعاب الإلكترونية..!؟

كيف لوى عنق الزمن المنطلق طالبا منه أن يلقي نظرة متأنية على طلابه الذين يطاردونه حاملين كتبهم على رؤوسهم..!؟

كيف أقنع الأستاذ هيثم الآباء أن يحولوا الكتب من ديكورات في مجالسهم وصالاتهم إلى كائنات حية تعيش بينهم، وتنشر الألق والنور..!؟

أي علاقات حميمة تلك التي قادت الأسر إلى الاستجابة لنداءاته التي أطلقها من الأعماق.. فهب المجتمع ملبيا نداء العقل والروح، فتنحّت الألعاب الإلكترونية قليلا، وانطفأت شاشات الهواتف النقالة لبعض الوقت، واستيقظ الكتاب من سباته الطويل، ليحتل مكانته التي هرِم وهو ينتظرها، واصفرت أوراقه وهو يحلم بها..

وأضاء ستمئة طفل وشاب سماء مدينة الخبر بشعاع الفكر الإنساني الخالد، وهم ينامون محتضنين كتبهم ويستيقظون ليبدؤوا من حيث توقفوا البارحة، وكأنهم يخيطون رداء الليل الأسود بإزار النهار الأبيض، لتلبس عقولهم حلة النور المتجلي بين سطورها السوداء..

أي إرادة تلك التي اندلعت بسببها ثورة الفكر، وأي عزم ذلك الذي قهر ظروفا كنا نظنها لا تقهر، وأي شغف وأي نُبل ذاك الذي قاد الأستاذ هيثم ليرسم لنا بريشته الساحرة هذا المنظر الفاتن..

وأي رصيد إنساني وفكري تنويري وثقافي واجتماعي تمتلكه مدارس السلام الأهلية بالخبر خولها لدمج القيادة مع الكوادر مع المجتمع، للدفع بالأستاذ هيثم وطلابه ومشروعهم العظيم إلى أفلاك النجاح ومدارات الإنجاز، محلقين من فضاء المحلية إلى سماء العالمية.. تاركين للمحبِطين حق التصفيق والتلويح لهم من بعيد..!!