منذ اللحظة الأولى التي سيطرت فيها الميليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء، كرست قصارى جهدها للسيطرة المباشرة على محافظة الحديدة، والتي تمثل بالنسبة لانقلابهم أهمية بالغة، لعدة أسباب أبرزها أهمية المحافظة في الترتيب المناطقي للبلاد، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد محافظة تعز سكانا ومساحة، كما يعد مطار الحديدة من أهم المطارات اليمنية، إضافة إلى وجود قاعدة جوية وعدد من الطائرات العسكرية في الحديدة، ووجود أكبر قاعدة بحرية فيها، فضلا عن الأعداد الكبيرة من المعسكرات والألوية الأخرى، من ضمنها الدفاع الجوي والساحلي والبري. كما تتميز الحديدة باحتوائها على واحد من أهم الموانئ اليمنية والذي يعتبر الممر الأول إلى كافة الجزر اليمنية، وأهمها جزيرتي «حنيش الكبرى» و«حنيش الصغرى»، وجبل «صقر» الذي يرتفع قرابة 3700 قدم.


منطقة إستراتيجية

تقع الحديدة في الجزء الغربي لليمن، وتمتد على الشريط الساحلي الغربي المطل على البحر الأحمر وتبعد عن العاصمة صنعاء قرابة 226 كيلومترا، وتحل في المرتبة الثانية من حيث تعداد السكان بعد محافظة تعز. وتبلغ مساحتها حوالي 17.145 كيلومترا مربعا، وتتوزع على 26 مديرية.

ويتميز النشاط التجاري للمحافظة من خلال عمليتي الاستيراد والتصدير، كما يوجد فيها العديد من المنشآت الصناعية من أهمها مصنع أسمنت «باجل»، وبعض الصناعات الغذائية والمشروبات الغازية، بينما تحتضن أهم المعادن في أراضيها مثل الجرانيت، والرمال السوداء، والأصباغ، والسيراميك، والملح الصخري، والجبس، وبعض المعادن الطينية الأخرى.



حلقة وصل

تعتبر محافظة الحديدة حلقة ربط بين عدد من المحافظات الهامة ومنها العاصمة صنعاء والمحويت وحجة وذمار وغيرها، وترتبط عبر ممرات كثيرة بتلك المحافظات، فيما يمثل ميناؤها بالنسبة للحوثيين عمودا فقريا ومركزا حيويا لتهريب الأسلحة وتوزيعها على باقي المحافظات التي يسيطرون عليها.

ومعالم السياحة في محافظة الحديدة متنوعة بالإضافة إلى معالمها التاريخية، أهمها الآثار الإسلامية في مدينة زبيد التاريخية، كالجامع الكبير وجامع الأشاعر في مدينة بيت الفقيه ومدينة الخوخة الساحلية، وحمام السخنة الطبيعي.

وتقع معظم أراضي الحديدة في المنطقة السهلية لساحل تهامة، ويمتد هذا السهل من منطقة اللحَّية في الشمال إلى منطقة الخوخة في الجنوب بطول 300 كيلومتر وعرض يتراوح بين 60 و150 كيلومترا، ويخترق هذا السهل العديد من الأودية الكبيرة التي تصب في البحر الأحمر.


تاريخها القديم

يرجع تاريخ تأسيس المحافظة إلى القرن الثامن الهجري، حيث استخدمت كمنطقة صيد ثم مرسى للسفن، وتعرضت لحملات أجنبية، حيث سعى البرتغاليون والإنجليز للسيطرة عليها، وقام أهلها بمطاردة السفن البرتغالية دفاعا عن سواحل البحر الأحمر خلال حكم السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري عام 1514م.

وفي عام 1848 أصبحت الحديدة قاعدة للعثمانيين ومنطلقا لهم إلى العاصمة صنعاء، وتحولت إلى مركز إداري هام، وفي عام 1923 تسلمها محمد الإدريسي من الإنجليز ثم تمكن الإمام يحيى بن حميد الدين من السيطرة عليها في العام نفسه.


الميناء والجزر

في عام 1961 جرى إنشاء ميناء الحديدة بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي سابقا وحظي باهتمام كبير، حيث تم تطويره ليصبح من أهم الموانئ اليمنية بعد ميناء عدن.

وتنتشر في البحر الأحمر قبالة سواحل المحافظة مجموعة من أهم الجزر اليمنية يبلغ عددها أكثر من 40 جزيرة، وأهمها جزيرة كمران المأهولة بالسكان.

وتوجد بالجزيرة قاعدة عسكرية يمنية لحماية السواحل والجزر وناد للغوص يستغل سياحيا.

كما تقع في المحافظة جزيرتا حنيش الكبرى والصغرى وتبلغ مساحتهما حوالي 67 كيلومترا وهما جزيرتان صخريتان تمتدان بسلسلة جبلية على طولهما، وتكون ارتباطا مباشرا بميناء الحديدة.


دخول الحوثيين الحديدة

عقب سيطرة الميليشيات الحوثية على صنعاء عام 2014 وبعض المحافظات والمديريات المجاورة لها، وضعت جل هدفها للسيطرة على الحديدة نظرا لأهميتها، واستغلالها لتهريب الأسلحة والصواريخ، قبل تحويلها من متنفس سياحي إلى معتقلات وسجون، لتشهد سجن قرابة 3 آلاف مواطن في سجون سابقة وسجون أسسها الحوثي لاعتقال كل المعارضين.


أهميتها للحكومة الشرعية

تمثل عملية استعادة الحكومة الشرعية للحديدة من أيدي الانقلابيين أهمية بالغة، حيث يؤكد مراقبون وخبراء أن عملية السيطرة تعطي دفعة قوية وأثرا بالغا لتحرير باقي المحافظات، وقطع خطوط الإمداد العسكري والبشري إلى المحافظات الداخلية، إلى جانب حماية الممرات البحرية الدولية.



انهيارات الميليشيات

أكد الناطق باسم الجيش اليمني العقيد عبده مجلي في حديث لـ«الوطن»، أن تحرير الحديدة يعتبر خطوة قاصمة لظهر للحوثيين، وهو السبب وراء استماتتهم للسيطرة عليها قدر الإمكان لأهميتها الإستراتيجية، لافتا إلى أن التقدم الميداني والانتصارات الكبيرة لقوات الجيش الوطني بدعم التحالف العربي، يعجّلان من تحريرها لقطع إمدادات تهريب الأسلحة للميليشيات إلى الداخل اليمني، فضلا عن حرمانهم من المساعدات الإغاثية التي عكفوا على سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وأضاف «إن تحرير المحافظة هو بوابة كبرى لتحرير المحويت وريمة وذمار وحجة وهي مناطق لم يسبق للجيش الوطني دخولها، والأهم من كل ذلك هو فتح البوابة الغربية على صنعاء أمام الجيش الوطني، والحديدة تكون بموقعها الإستراتيجي مناطق حدودية مفتوحة مع كل المواقع والمحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون».


أهمية القواعد العسكرية

بين مجلي أن سيطرة الجيش الوطني على المحافظة ستفتح الأبواب على مصراعيها لدخول باقي المحافظات، حيث إن هناك طرقا كثيرة ومتعددة سيتم فتح جبهات متعددة منها لتحرير المواقع التي تقبع تحت سيطرة الانقلابيين. وأردف قائلا «إن الحديدة تحوي عددا من القواعد العسكرية الكبيرة والهامة، من ضمنها قواعد جوية وبحرية وكتائب الدفاع الجوي الصاروخية التي تستخدمها العناصر الحوثية لممارسة أعمالها الإرهابية وتهديد المدنيين»، كاشفا عن أن سيطرة الجيش على تلك القواعد العسكرية التي تقع تحت سلطة الانقلابيين ستعجل من رضوخهم واستسلامهم للشرعية. وأكد مجلي أن تقدم القوات الشرعية أصاب الانقلابيين في مقتل وفاقم مخاوف القيادات والعناصر التابعة لها، مشددا على أن معركة الحديدة هي معركة فاصلة، وتعتبر مصيرية وليس أمام رجال الشرعية أي خيار سوى تمشيط المدينة وتحريرها.


الرفض الشعبي

من جانبه، أوضح وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمي لـ«الوطن»، أن دخول الحوثيين للحديدة ساهم في سقوط مينائها الإستراتيجي مباشرة ثم المواقع العسكرية المهمة والمديريات. ولفت القديمي إلى أنه بعد سقوط الحديدة بدأ الناس يستشعرون خطر الميليشيات ما دفعهم إلى إنشاء المقاومة الشعبية، مضيفا «منذ أسابيع قليلة تم التركيز على الحديدة والمديريات الأخرى مثل حيس والتحيتا والجراحي، والتي تعتبر في مرمى الشرعية والمقاومة، فيما تم تحرير الخوخة بالكامل ومعسكر أبو موسى الأشعري وميناء أمحيمه العسكري الذي كانت تستخدمه الميليشيات لتهريب الأسلحة»، مؤكدا أن المقاومة وصلت من الاتجاه الساحلي إلى منطقة القطابا وسط ترحيب لحشود القبائل بدليل الاستقبال الكبير للجيش والمقاومة في الخوخة وباقي محافظات الحديدة. وأكد القديمي أن الميليشيات الحوثية استنزفت جميع قواها، وتزودت بالدعم مرارا للدفاع عن الحديدة، ولكن لم يجدِ ذلك نفعا، ما دفعهم إلى محاولة إغراء أبناء المحافظة لتجنيدهم، رغم وجود الرفض الشعبي بسبب أجنداتهم المفضوحة.