ما تزال المؤسسة التعليمية لدينا تعاني من بعض العشوائية وعدم وضوح «الرؤية» للأهداف والغايات «الملحة»، ولعل تلك المشاهد تبرز مع كل ظهور «جديد» لقادة هذه المؤسسة.

هل «الغياب» رحمة إذًا؟!

 (1)

 ثمة اضطراب و«لخبطة» يشعر به الفرد وهو يشاهد «التدشينات» و«الافتتاحيات» الجديدة لوزارة التعليم، لأن تلك الأعمال سبق ون طرحت بصياغة مختلفة «فقط»، وكان من المنتظر جعل تلك التدشينات الجديدة استمرارا في خطة عمل ما يطابقها أو ما يقاربها «سابقا».

ومن جهة أخرى، فالمرء -خاصة من المنتمين الواقعيين للوزارة- فقد كثيرا من الثقة في أية برامج جديدة، لأن «المهم» حقا في الواقع التعليمي غير موجود، ولا يُعبأ بأمره، ولأن كثيرا من البرامج التي صاحبها احتفالات وافتتاحات، وبروشورات ومؤلفات، مستنفدة كثيرا من الوقت والجهد و«الميزانية طبعا» توقفت، لثبوت فشلها أو ثبوت أدائها في الاتجاه المعاكس لأهدافها الرئيسة، «ولنا ولكم في البرامج والأنظمة التعليمية الآتية عبرة وعبرات: النظام الفصلي.. المدارس الرائدة.. فطن.. تطوير.. التقويم الكلي المستمر..»!.

مما استجد مؤخرا في المشهد التعليمي ما أسموه «المجلس الإشرافي على مركز الحوار الوطني»، والملاحظ للقيم الأساسية لذلك المجلس، يرى أن بعض تلك القيم لا يطلق عليها «قيم» أصلا، فهي الأدوات والممارسات التي يمكن تنفيذ تلك القيم بها، مثل «الطموح.. التصميم.. المثابرة.. النشاط»، والتي جاء ذكرها في السياق ذاته مع مصطلحات لقيم حقيقية وحاسمة ومؤثرة -متى ما قدّر الله ونفذت آليات المجلس حقا، ثم استمر تنفيذها- كالوطنية والمواطنة والانفتاح والإيجابية والاعتدال والتسامح والعدالة والشفافية!، كما أن المسألة ما دامت تتعلق بقيم ومبادي، فيجب أن تكون قيم «الموضوعية - المنهجية - الحوارية» من بينها بالتأكيد، لأنها من أبرز وأهم القيم التي يحتفي بها الوعي الفكري المتحضر!

وفي شأن آخر، فقد بدأت الوزارة - مؤخرا - في تطبيق مبادرة الورش الفنية «ماهر» في 60 مدرسة لتعزيز توجهات طلاب المرحلة الثانوية نحو المهارات الفنية العملية! لتنبثق من رحم تلك الورش الفنية عدة تساؤلات متعجبة: هل اطمأنت الوزارة  إلى وجود البيئة المناسبة للتعليم بداية - في ربع مدارس البلاد على الأقل - حتى تبدأ في تنفيذ مشروع الورش الفنية؟! أم أن برنامج المبادرة سيقتصر على الـ60 مدرسة «في الرياض، مقر الوزارة طبعا» يمكن أن تسمح إمكاناتها حقا في إقامة مثل تلك الورش!، ويمكن أن تتجاوزها إلى 20 مدرسة فقط في العامين القادمين، وبعدها «يفعل الله ما يريد.. خير وبركة»؟!

أما السؤال الآخر: هل لم يخطر على بال قادة الوزارة أمر تلك الورش الفنية وهم يقررون ساعة يوميا، في كل يوم دراسي للعام الثاني على التوالي، دون آليات وخطط وإمكانات واضحة ومتحققة في البيئات التعليمية؟! أليست تلك «الورش» من أهم وأبرز آليات عمل الأنشطة المدرسية؟

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فيمكن عندها أن نقول إن تطبيق حصتي النشاط على أكثر من الـ«60 مدرسة» إياها والمؤهلة للأنشطة وورشها التنفيذية ضرب من العبث، وإهدار للوقت والطاقة.

 (2)

إن الاضطراب يبدو جليا في المشهد المؤسساتي السابق «وهذا ليس من سمات أي عمل مؤسساتي حقيقي ومخلص بالطبع»!، كما أن تنصيب «الكتاب المدرسي» كهدف أسمى للوزارة ليس له ما يبرره، فالكتاب المدرسي لدينا جيد ومقنع وكاف، متى ما توافرت معه بقية مكونات العملية التعليمية الأخرى!.

وفي الحقيقة، فإن أهدافا أخرى «لا تنتظر» يجدر بها أن تكون في أولى صفحات أجندة وزارة التعليم: كالعمل على تحقيق أعلى قدر مناسب من البيئات التعليمية في مدارس بلادنا «فنسبة المدارس التي لا تصلح للإقامة البشرية كبيرة، فضلا عن استخدامها للتعليم وشؤونه في مختلف مناطق البلاد»!

ويظل الرفع من شأن المعلم -داخل مؤسسته أولا ثم داخل مجتمعه- وتوفير أهم حاجاته، هدفين ساميين وعظيمين ومؤثرين، يجب ألا يغيبا عن أي خطط مؤسساتية للتعليم، فالمعلم حجر الزاوية في المشهد برمته، والرفع من شأنه احتراما وإجلالا هو الرفع من شأن عمل العلماء، وكذلك تقدير الرسالة التعليمية التي لا ينهض بأعظم غاياتها وأعمالها سوى ذلك المعلم!

ولا شك أن أبرز حاجات المعلمين: «إعطاؤهم حقوقهم بتثبيتهم على المستويات والدرجات التي يستحقونها، وتوفير التأمين الطبي، والأندية الاجتماعية والرياضية التي تلم شتاتهم وتعبهم، إضافة إلى توفير ما يحتاجونه داخل مدارسهم، وتقدير سنوات الخبرة لبعضهم، بحيث لا تتساوى مهماتهم المكلفين بها، مع المعلمين المبتدئين»!