إن مهارة التعامل مع المعلومات المضللة ليست بالأمر الهين، وهي مطلب رئيسي للمنوطين بالتعامل التشريعي مع المحتوى الضار عبر الإنترنت.

كثيرا ما يتردد على مسامعنا أن «الأخبار المزيفة» مشكلة مستحيلة الحل، من وجهة نظر فلسفية ومن وجهة نظر عملية.

لم يتفق الفلاسفة والمنظرون على تعريف «التزييف» من «الحقيقة» فيما يتعلق بالأخبار، بل حتى إن تعريف مصطلح «الخبر» نفسه كان أمرا صعبا للباحثين في مجال الإعلام والعلوم الاجتماعية.

أما من ناحية عملية، فالأخبار اليوم تتجدد باستمرار وشكل لا متناهٍ، ودون أي حدود أو ارتباطات بأي شكل كان، مما يجعل عملية فلترة الخبر الحقيقي من المزيف أمرا مرهقا -وربما مكلفا- برمجيّا.

ولكن أيضا لكون تهمة «الأخبار المزيفة» تهمة فعالة عندما تصلنا «آراء لا نتفق معها» أو ببساطة «حقائق لا نحبها»، فإن كثيرين منا لن يرغبوا أصلا في وجود حل جذري ونهائي لإشكال الخبر المضلل أو الخبر المزيف.

لكن المفارقة هي أن وسائل الإعلام الكبيرة منخرطة بالفعل في نوع من «تنظيم» الأخبار، بينما ما زال عدد كبير من المنظرين يتناقشون حول جدوى ذلك من عدمه.

يعمل «فيسبوك» مع مدققين مختصين في تقييم القصص التي يثار حولها جدل -تأتي عادة كصور أو مقاطع فيديو- والتي تظهر للمستخدمين بشكل أقل في «التايم لاين» إذا ما ثبت أنها جدلية أو أثير جدل حولها.

يصنف «فيسبوك» أيضا المصادر الإخبارية على معايير «الجدارة بالثقة»، استنادا إلى «تقييمات المستخدم»، ويروج «فيسبوك» للمصدر أو يقضي على محتواه تماما وفقا لذلك، أما أخبار Google فهي تمنح الأولوية من الأخبار إلى تغطية كاتبي الأخبار المعروفين.

ومع ذلك، ليس هناك دليل قاطع على أن هذه المواقع والشركات تستغل سلطتها للتأثير في التغطية التحريرية لصانعي الأخبار، رغم الجدل الساخن حول ما إذا كانت أدوات تصنيف وتنظيم محتواها متحيزة لمصلحة جهات معينة على جهات أخرى.

يبدو من المرجح أن أي تحيز ظاهر ينشأ دون وعي في اختيار المحتوى الخوارزمي. ولكن مع الإنترنت الآن -كمصدر رئيسي للأخبار في معظم الدول- فإن قدرة المنصات الإخبارية على تحديد جانب الطلب وجانب العرض في سوق الأخبار، باتت مسألة متوقعة وليست مستحيلة.

قد أوضحت منصات الأخبار -متمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»

و«تويتر»- أنهم يسعون إلى استخدام قوتهم لمواجهة التطرف على سبيل المثال.

وكما قال مؤسس «فيسبوك» Mark Zuckerberg: «عندما تنشئ خدمات تصل إلى مليارات الأشخاص عبر البلدان والثقافات، فستشاهد كل الخير الذي يمكن للإنسانية فعله، وستشاهد أيضا الأشخاص الذين يحاولون إساءة استخدام تلك الخدمات بكل طريقة ممكنة. إن مسؤوليتنا في «فيسبوك» هي تضخيم الصالح والتخفيف من الوضع السيئ».

يذكر أن سياسات وإستراتيجيات هذه الشركات العملاقة وغيرها Apple، Snap،«Twitter»، تحدث فرقا كبيرا في الفرص الاقتصادية للعاملين في الإعلام والصحافة وصياغة الأخبار. هذا الأمر يدعو منظمي وسائل الإعلام التقليدي مثل «Ofcom» في بريطانيا للقول: إن الأطر المستخدمة تقليديا لتنظيم الإعلام من نواح اقتصادية وملكية لا يمكن نقلها بالجملة إلى عالم الإنترنت. توقعات الجمهور، إنفاقهم المالي، يختلف بين البث التقليدي والبث عبر الإنترنت. ربما يكون هناك ضوء في آخر نفق مواقع الإنترنت وعوالم الأخبار، ربما هذا ليس نفقا لكننا كنا سابقا جديدين على الإنترنت، وكنا نحاول التعرف عليه، وكان حينها مقبولا وطبيعيا أن نكون ناقدين جدا، أو فرحين به جدا، وهذا الوقت هو وقت الاتزان والنظر إليه بشكل متزن.