بعد أن انحسرت موجة الصحوة التي مر بها المجتمع وعانى من تغلغلها في مفاصله المهمة وتقييدها لحركته وغمرها لأنفاسه بدأ التمايز في المجتمع حولها، وهي حقيقة في هذا لا تختلف عن أي ظاهرة أو منظومة ظواهر اجتماعية يصنعها البشر ويحصدون آثارها بتفاعلهم معها على الصعيدين الداخلي والخارجي.

انقسمت الجماهير كما هو متوقع، فتبرأ الغالبية من الصحوة بعد أن سايروها زمنا طويلا وتعالت أصواتهم موافقة لما جاء في حديث سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- حول اختطاف المجتمع من قبل الصحوة لأكثر من أربعين عاما.

في المقابل لا يزال عدد لا يستهان به من الجيل المؤدلج يترنح بين قبول الواقع الجديد ورفضه، بين الرغبة في تجربة الحياة والخوف من واقع المجتمع، وبين ما وجدوا عليه آباءهم وما سيفرضه عليهم أبناؤهم في المرحلة القادمة لا محالة.

الحقيقة أن جدار الصحوة تداعى على بُناتِه، والمعاول الآن يحملها من عايشوا ذلك البنيان، ودورهم المفترض هو نقد المرحلة السابقة علنا وبكل شفافية، بقصد ترميم المفاهيم، وفتح نوافذ مناسبة للجميع تطل على المستقبل النقي من خلال تنقية مصادر التشريعات لا بقصد تصفية الحسابات.

وخلال قراءتي لردود فعل بعض الناس تجاه انحسار مد الصحوة تعثرت بنموذج محيِّر جدا وهم من أسميه (المؤدلَج السائل). لم أبحث للأمانة عن أصل لهذا المفهوم، ولا أدري إن كان غيري قد سبقني إليه، لكن المؤدلَج السائل -كما أراه- هو إنسان يقضي حياته مندلقا كسائل ويتشكل بشكل الوعاء الزماني والمكاني الذي يوضع فيه مع بقاء فكرة الصحوة كامنة في داخل نفسه، وظهورها في فلتات لسانه ويده. قد يلعن الصحوة ورموزها، لكنه يتمثل أفعالها، خصوصا في قضايا الأسرة والمرأة، لأن هذه المنطقة في مجتمعنا تحفها الخصوصية.

يعيش المؤدلَج السائل حاليا رعبا يوميا اسمه تقنين الولاية، لأنها كل ما تبقى له من هويته الذكورية! فقد انتفض بعضهم رافضا حصرها في الزواج كما جاء بها الشرع، بل حاولوا إلباسها لباس الدين وجعلها ركنا سادسا من أركان الإسلام، وهذا لن يكون لهم، فالدين اكتمل منذ ما يربو على ألف وأربعمئة عام.

ومن كرم الله أن الدولة وُفِّقَت لحلّ وإنهاء أغلب القضايا المتعلقة بتمكين المرأة وحماية الأسرة في مجتمعنا، بقرارات سيادية تحفظ للدين مكانته وتخلصه من أقوال المتشددين مهما حاولوا إلباس أهوائهم لباس الشرع والتدين، وهي بهذا قطعت الطريق على من يصم دين الرحمة والعدل والمساواة بما ليس فيه.

الخبر الجيد أن أصحاب هذا التوجه لا يمكنهم التخفي طويلا، خصوصا في عصرنا هذا، ولعل هذا من محاسن التوعية الإعلامية المقصودة وغير المقصودة التي يعيشها المجتمع، والتي جعلت الغالبية يقرؤون ما بين السطور ويرددون «لستُ بالخب ولا الخب يخدعني». والخبر المريح لهم أنهم سيتأقلمون لأنهم على أدلجتهم ليسوا أكثر من مادة سائلة ترتاح لشكل الوعاء الذي توضع فيه طالما يتحمل صانع القرار عواقبه، ولا يزعجهم عدم امتلاكهم رأيا أو توجها.