يحتفل المجتمع العالمي سنويا بيوم المعلم في الخامس من أكتوبر، من جانب التقدير والتمكين للمعلم، لإيمانهم بأهمية دور المعلم التربوي والاجتماعي، ولاعتقادهم بأن المعلم يستحق سنويا مزيدا من لفت الانتباه لمكانته الكبيرة، ولدوره الإيجابي المؤثر في فلذات أكبادهم، وذلك بإدراكهم حجم ما يسهم به في تشكيل فكر الأبناء ومعلوماتهم وسلوكياتهم، وبما يدفع بهم نحو تعزيز توجهاتهم الصحيحة، ويبني لديهم رؤى واعية جادة في التعاطي مع جميع متطلبات الحياة العلمية والعملية.

ومن جهة أخرى، فإن المعلم نموذج يتطلع الطلاب إلى محاكاته في كثير من سلوكياته وتصرفاته المختلفة في معالجة الأمور التي يتعرضون لها خلال العملية التعليمية، وله منهجه الخاص الذي يحتويهم به. فالمعلم بالنسبة لطلابه هو القدوة العليا التي يتطلعون إليها ليكونوا مثلها في الجانب المعرفي والسلوكي، وبجميع ما يتضمن ذلك من مفارقات ومحتوى متباين بين المعلمين والمعلمات، ولكنه في مجمله يلتقي في الجانب النفعي الإيجابي لأبنائنا، والذي يستحق منا مزيدا من الاهتمام والتقدير لدوره المؤثر.

ومن هذا المنطلق، يمكننا الوقوف على حجم دور المعلم ومدى تأثيره على طلابه، وعليه نتساءل: هل نتفق جميعنا في رؤانا على أهمية تقدير المعلم اجتماعيا ومؤسسيا؟! وهل حظي المعلم لدينا فعليّا على ذلك التقدير؟! وهل يستحق جميع المعلمين ذلك التقدير دون استثناء؟! وهل نلمس فعليّا دور المعلم الإيجابي لدى أبنائنا؟! وهل ما زال المعلم في تلك الحقبة الزمنية يمثل ذلك النموذج الإنساني المفترض؟! وهل وجد المعلم ذلك التقدير المؤسسي ولكنه لم يكافئه بالمثل؟ وهل أدركت الوزارة حجم دور المعلم الفعلي فأحسنت اختياره؟ وهل تم إعداد المعلمين والمعلمات تربويّا ومعرفيّا ليحققوا ذلك النموذج المطلوب والمرتقب منهم؟ وهل وهل...إلخ.

ومن المتوقع أن يتزامن مع أي نوع من الاحتفالات العالمية المعنية بالإنسان ومتطلباته وغيرها، وإطلاق مبادرات وبرامج مدروسة تم الإعداد لها مسبقا، ليتم طرحها في ذلك اليوم أو حوله، بما يعكس التفاعل مع أحداث عالمية، وبما يتلاءم مع حجم الحدث وأهميته، وبما يحتاجه من تطوير أو تعزيز لمنظومته الموجودة، والذي يتُرجمْ في فعاليات وقرارات وبرامج مختلفة تستهدف خدمة النهوض والارتقاء بذلك الحدث في مجتمع ما، وبما يسهم في معالجة بعض من التحديات التي تواجهه، سواء في موارده البشرية أو في تنظيمه المؤسسي الخاص به، ولذلك كثيرا ما يتطلع منسوبو القطاعات المختلفة إلى تلك التواريخ من الأحداث العالمية لعلها تنجب لهم مولود جديدا يحدث تغييرا مرتقبا بحجم معاناتهم وتحدياتهم.

وقبل أيام من يوم المعلم العالمي، أطلقت الوزارة قرارا مهما يتعلق بتوطين العاملين في الموارد البشرية، بالتوجيه بإسناد كل الأعمال الإدارية والإشرافية والأعمال المتعلقة بالأنشطة الطلابية، في المدارس الأهلية والعالمية لكوادر وطنية، وفي ذلك نثمن دور الوزارة في دعم مؤسسي منتظر لمواردنا البشرية المؤهلة، والتي تعاني البطالة في ظل وجود غير المواطن في مواقع وظيفية هي حق للمواطن بأن يتقلدها، وليثبت عمليّا بأنه أهلٌ لها، وأنه قادر على إدارتها بأحسن مستوى من الأداء والعطاء.

ومن جهة أخرى، فإن رعاية الوزارة لملتقى الإشراف التربوي، إضافة إلى دعوتها لنحو 831 متقدما ومتقدمة للوظائف التعليمية، بالتوجه للمطابقة في فروع وزارة الخدمة المدنية بهدف خدمة التوظيف، وذلك قبل اليوم العالمي المعلم بأيام معدودة؛ يعدّ إنجازا يحسب للوزارة وُتشكر على جهودها فيه لأهميته، والأمل معقود على الوزارة في استكمال كل تطلعات الوطن والمواطنين فيما يتعلق بجودة التعليم وتحسين مخرجاته، بل وبجميع ما يتعلق بالارتقاء بالعملية التعليمية في منظومتها المؤسسية والبشرية.

وكما أن المعلم يستحق التقدير والاهتمام به وبمتطلباته، فهو مطالب كذلك بالإيفاء بواجباته، والوفاء بما هو مطلوب منه في دوره التربوي والإنساني كمعلم، وبما هو منتظر منه وطنيا، سواء من المؤسسة التعليمية أو الكيان المجتمعي كأُسر وكمجتمع متكامل، والتي منها إعطاء الوطن حقه ورد الجميل، بالإخلاص في الأداء، والتمكن من المعرفة، واحترام الطلاب، والحرص على مصالحهم كأبنائه، إضافة إلى توخي المصداقية والمثالية قدر الإمكان في سلوكياته وتوجيهاته، باعتباره رمزا ونموذجا لطلابه، وإن ما يزرعه فيهم من إيجابيات سيحصده المجتمع بأسره، فهم لَبِنَاتُ المجتمع الواعدة كما أنهم سواعد الوطن وفكره فيما يقومون به من أعمال، وهم رمز الوطن وصورته الإنسانية التي تترجم ما تعلموه في سلوكيات وأعمال مختلفة، وتبلور ما تم غرزه فيهم من أخلاقيات وعلوم كمنجزات وطنية يفخر بها الوطن.

ولكون التعليم منظومة متكاملة، ولا يمكننا حصد جودتها إلا بتكامل المساعي والجهود في كل مقوماتها، فإن مسؤولي التعليم المطالبون بالاهتمام جديّا بجودة التعليم والارتقاء به وبمستوى أدائه لتحصيل الجودة في مخرجاته، هم معنيون كذلك بالارتقاء بالمعلم ذاته أولا، لأنه يعدّ المحرك والقائد والمنفذ للعملية التعليمية المرجوة، وعليه لا بد أن تخضع عملية اختيار المعلم للمهنة، للتمحيص والاختبار والتدقيق، وفق معايير تربوية مدروسة ومعروفة، ويتم على أساسها التصفية والانتقاء لمن هو جدير بالمهنة، ومحب ومخلص لها، ولمن يستحقها فعلا، جدارة وتأهيلا علميّا وخلقيّا.

ومما يجدر التنويه إليه، أنه ليس كل من يحصل على درجة البكالوريوس في علم من العلوم يتصل بالتعليم العام، هو صالح لأن يكون معلما أو معلمة، وإن كان ذلك سائدا في فترة سابقة في بدايات مسيرة التنمية، إذ كان العجز كبيرا في مواردنا البشرية التعليمية، فإنه لم يعد مقبولا الآن، بعد أن حققنا -وبفضل من الله- درجات متقدمة من التأهيل العلمي والمهني لأبنائنا، وعليه فإن الأمر مُلٍحٌ وبقوة على الوزارة والمدارس بصفة العموم، بانتهاج الجودة في اختيار المعلم القادر المتمكن من أداء المهنة، وفق معايير تربوية واختبارات تطبيقية يخضع لها، لاختيار الأفضل من المتقدمين للمهنة، وبذلك يمكننا تحقيق قفزة في منجزاتنا التعليمية، والتي يمثل المعلم محركها الرئيس والطالب محورها الفعلي، وبذلك نستطيع أن نثق في أبنائنا العاملين فعلا، ونطمئن على فلذات أكبادنا بأنهم في أيدٍ أمينة، وبه يستحق المعلم قول الشاعر:

قم للمُعلم وَفّهٍ التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرف أو أجلّ من الذي يبني وينشئ أنفُسا وعقولا