يتحدث أحيانا الخبراء في الإعلام والاتصال أن مواقع التواصل الاجتماعي أدت إلى انتهاك كبير لخصوصية المستخدمين، ضاربين «فيسبوك» وتسريبه معلومات مستخدميه مثالا على ذلك.

وهم محقون، وسبق أن كتبت مقالات عن نقد الإعلام الجديد من جانب الخصوصية، ولكن: هل الخصوصية الرقمية بالفعل مستغلة كليّا أو جزئيا؟ وهل استغلالها بأي قدر كان، أخلاقيٌ أم غير أخلاقي؟ وهل قوانين حماية الخصوصية بشكل كلي جديرة بالتنفيذ؟ من وجهة نظري التخصصية، أن الخصوصية الرقمية يمكن ارتخاؤها قليلا وليس كثيرا، بمعنى أنه يحق لأصحاب مواقع التواصل الاجتماعي التوصّل إلى بعض معلومات مستخدميهم، وليس كثيرا منها، «قليلها حلال وكثيرها حرام»!، وسبب هذا الرأي يكمن في الحقيقة في مصلحة المستخدم.

إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي معلومات المستخدمين العامة مثل: جنسهم، عمرهم، اهتماماتهم، يسمح لهذه المواقع بتسهيل عمليات البحث، وعرض المواد التي تناسب احتياجاتهم، وبشكل فردي يناسب كل فرد، تبعا لأنظمة بيانات ضخمة مختصة بهذا الشأن.

ولعل منع مواقع التواصل الاجتماعي -بشكل كلي- من الوصول إلى هذه المعلومات سيؤدي إلى نوع من العمومية، مما يصعب على المستخدمين الوصول إلى تفضيلاتهم الخاصة بشكل سريع ويسير.

وهناك سبب آخر لذلك، وفقا للمحللة الاقتصادية، الإعلامية الأشهر «Diane Coyle»، وهو مجانية الخدمات الرقمية. لو تخلّت مواقع الإنترنت بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي عن تسللها وحصولها على معلومات مستخدميها «وبالتالي احتمالية التخلي عن معظم أرباحها الإعلانية»، فإنه حتما -وبلا شك- ستفرض كل تلك المواقع رسوما مقابل استخدامها وخدماتها، وهذه الرسوم سيدفعها المستخدم نفسه.

الجدير بالذكر هنا، أن المستخدمين يفضلون الاستخدام المجاني مقابل المدفوع بمقابل، حتى لو كان هذا المقابل معلوماتهم الشخصية، بل إن هناك دراسة حديثة أثبتت أن أقل من 15% من مستخدمي الإنترنت يمكن أن يدفع مبلغا ماليا بسيطا مقابل خصوصيته الرقمية. وهذا أمر آخر، مهم جدا، ينبغي أخذه في الحسبان عند المطالبة بفرض خصوصية كاملة على مستخدمي الإنترنت.

وأيضا، تداخل المستهلكين في تعاملاتهم مع المواقع الرقمية، وتدوين كل معلوماتهم الشخصية، مثل صورة الهوية والعنوان «كما هو الحال في موقع Airbnb الذي يستخدم عند البحث عن السكن على سبيل المثال لا الحصر» له منافع أمنية.

تستطيع هذه المواقع الرقمية رصد تحركات وهوية الأشخاص، وبالتالي تزويد السلطات بها عند حصول أي أمر يتطلب تدخلا أمنيا. هذه المواقع قد تحضر أصحاب المنازل وتمنعهم من عرض منازلهم إذا وصلت عنهم تقييمات سلبية من أحد المستفيدين من الخدمة، رقميا.

باختصار، خصوصية مستخدمي الإنترنت ليست موضوع «أبيض-أسود»، وليست أمرا واضحا بشكل يميني أو يساري، إنه مثل أي موضوع تشريعي له جوانب عدة، منها ما هو مادي ومنها ما هو أمني، وكل تلك الجوانب تتطلب من المختص وصانع القرار الإعلامي أخذها في الحسبان قبل فرض أي تغيير على الصناعة الإعلامية المحلية، وربما ذلك هو سبب استمرار جدلية الخصوصية الرقمية على الصعيد العالمي، وعدم المجازفة في جوانبها التشريعية بأي تغييرات كبرى.