أنت لا تستطيع أن تحكم على امتلاك أو عدم امتلاك السعودية قيم حرية الرأي من حادثة أو حادثتين، رغم أهمية كل حادثة وخطورتها على مدى تاريخها الطويل، ولكن قيم العدالة عند المحاسبة تستلزم مراجعة المواقف والأنظمة والأحكام والقرارات التي أصدرت على مدى عمر الدول قصر أو طال.

وفي الحقيقة الصحافة والمنابر الإعلامية حديثة عهد في السعودية، لذا لن تأخذ منك وقتا طويلا مراجعة تاريخ أنظمتها وأنظمة حرية الرأي، خاصة إذا بدأت بكتب التاريخ يوم كان البدوي يقدم على الملك الموحد عبدالعزيز -رحمه الله- ويقول له يا عبدالعزيز فعلت وفعلت، فيعجب ضيوفه من الغربيين، بينما يلتفت هو للبدوي حتى يعطيه حقه أو يأخذ منه حقه، وهذا مذكور في كتب الرحالة الغربيين والمؤرخين العرب.

وقد يستوقفك أيضا عندما جادل الشعب الملك فيصل -رحمه الله- في موضوع تعليم الفتاة، وانتهى معهم بحل وسط يضمن تعليم الفتاة احتراما لرأي هؤلاء دون قمع وسجن أو سحل في الشوارع والطرقات، والأمثلة غير ذلك كثيرة حتى صدر قرار الملك عبدالله -غفر الله له-، وهو قرار ملكي يقضي بإحالة جميع قضايا الاعتراض على مخرجات التعبير والرأي إلى لجنة في وزارة الإعلام لا إلى القضاء العام، والقرار الملكي -كما تعرفون- هو أقوى الأدوات التنظيمية في السعودية فما الذي حدث؟

إن السعودية تمر بمرحلة تغيير كبير جدا لصالح المستقبل، وهو ليس تغييرا اقتصاديا، بل اجتماعي أيضا، ولا يغفل أبدا فيه أن الحماس للتغيير أو معاداته قد يكلفنا نتائج عديدة في أي لحظة تغفل الرقابة فيها عن أداء دورها، خاصة من قبل مجموعات متحمسة من مدعي الوطنية أو البرجاماتيين الذين يظنون أن التغيير العظيم هذا لا يقبل النقد ولا الانتقاص، وكل من يشير لنواقصه هو خائن وطن يجب أن يتم إقصاؤه، وهذا ما جلب المعاناة للرأي السعودي مؤخرا، أضف إليه عندما يصبح الأمر تصفية حسابات بين أشخاص ضرهم عدم مدح أو نقد الصحفي، فيجدون الاتهام بالخيانة أداة سهلة ومتناولة للإيذاء المبرر عندهم.

بالطبع إننا نحتاج إلى مراجعة كبيرة لتطبيق الأنظمة أو زيادتها، ومنع أي اختراق لها، وهو واجب الدولة حتى تحافظ على قيم آبائها الأوائل.