ليس هناك شر مطلق في هذا الكون.. كل المسألة أننا نرى وجها واحدا من أي أمر، زاوية واحدة للصورة، ونغفل إما عن عمد أو بدون شعور باقي الأوجه والزوايا.

نفعل ذلك غالبا عاطفيا دون أن ندرك، فحين تتسلم قلوبنا زمام بصائرنا فإنها توجه أبصارنا في رؤية محدودة تحت أقدامنا فقط، نحو الزاوية التي تهمنا وتأثرنا بها سلبا وحسب.

خذ مثالا ثورات البراكين والزلازل وما تخلفانه من قتلى ودمار، هذه زاوية واحدة من الرؤية لآثارهما، لكن علماء الطبيعة والجيولوجيا يقولون لك العكس. فكثير منهم يرى في «البراكين» عوامل بناء أكثر منها عوامل هدم! فهي بحممها البركانية تساعد في تكوين كثير من الجزر، فالجزر -على سبيل المثال- المنتشرة في المحيط الأطلنطي ما هي إلا نتاج حمم وثورات بركانية.

وهذه الصخور والحمم الصلبة جدا تساعد في تعبيد الطرقات وتشييد الأبنية!

وهي بحممها الناتجة -كما يذكر بعض خبراء الطبيعة والجيولوجيا- في تقارير حديثة تساعد على خفض درجة حرارة الأرض! كما أنها بهذه الحمم تعطينا الكثير من المعادن المهمة وتخرجها من جوف الأرض، وتزيد من خصوبة التربة بشكل كبير جدا. أيضا فإن البحيرات البركانية المتكونة ذات المياه الساخنة تعدّ من مصادر الاستشفاء!

كما أن هناك دراسات قائمة حاليا تبحث عن طرق للاستفادة من البراكين في توليد الطاقة!

أما الزلازل، فعلى آثارها التدميرية، فإن كثيرا من علماء الجيولوجيا يرونها الإكسير الذي يساعد الأرض على تجديد شبابها! فلولا حدوثها في بعض النقاط وإخراجها لتلك الطاقة التدميرية الهائلة لانفجر كوكب الأرض وانتهى تماما!

وهي تسبب بما تطلقه من مواد وسوائل معدنية، وغازات كغاز ثاني أكسيد الكربون، في ازدياد خضرة المراعي، وزيادة انتشار النباتات، وزيادة كهربية الأرض.

وخذ مثالا آخر قد تستهجنه: الحروب. فعلى ما تمثله من همجية في السلوك الإنساني، وعلى ما فيها من مآسٍ إنسانية من قتل ودمار، لكن تظل وسيلة لاستجلاب حق مغتصب لا سبيل له إلا ذلك!

وهي إحدى طرق الطبيعة في إعادة التوازن على هذا الكوكب، فهناك طرق عيش سيثبت بطلان سيرتها وخطأ انتهاجها، وهناك تكاثر بشري قد يكون زاد على الحد لدرجة تهدد الموارد الطبيعية، فهذه وسيلة لإعادة الأمور لنصابها.

ومثال آخر ليس هناك فرد منا إلا ومرّ به: «الموت». فهو المصيبة الأعظم في حياة كل منا، أن يفقد أمّاً أو أبا، أو حبيبا أو قريبا، لكن هذه الوفيات هي طريقة للجم الزيادة السكانية في هذا الكوكب وما تستهلكه من موارد بيئية طبيعية! وهي طريقة لإنهاء آلام متعبين كثُر زادهم التقدم في العمر وهَناً على وهن!

وهي طريقة «وأعتذر لهذه الفجاجة» لتدويل كثير من الثروات بين البشر!

بل «وقد أكون أكثر واقعية وفجاجة» ربما كان في وفاة بعض من هم أحبة لنا، راحة لآخرين لم يروا فيهم إلا وجها سيئا لم نره نحن لسبب من الأسباب!!.

وحتى الأمثلة البسيطة في حياة كل منا من المشكلات أو الأوجاع الإنسانية بسبب الأخطاء التي قد نقع فيها بحكم بشريتنا أو لأي سبب آخر، فهي ضمن إرادة الله لتربيتنا وصناعتنا! لولا هذه الأخطاء التي ربما نبكي دما بسببها، ما تعدلت بوصلة كثير منا في الحياة، ولا أدركنا ضعفنا وبشريتنا.

نحتاج أحيانا كثيرة لصفعات توقظ هذه البشرية وتضعف أحاسيسنا الوهمية بالتأله والعظمة والقوة والإمساك بزمام الأمور، وتوقظ فينا حِسَّنا الإنساني من مشاعر الرحمة والتعاطف نحو كل خاطئ أو مبتلى.

وحتى الآلام الجسدية التي قد تصيب كل فرد منا على مدى سنيّ حياته، فما هي إلا وسيلة الجسد للتعبير عن خلل وقع فيه ويطلب منك علاجه قبل أن يستفحل ويقضي عليك! هل تدرك لماذا سمي «السرطان» بالمرض الخبيث؟ سمي بذلك لأنه يتخابث على جسدك ويظهر له كأنه تمدد طبيعي فيه، إلى أن يفاجئك بآثاره القاتلة!

وهل تدرك لماذا سمي «ارتفاع ضغط الدم» بالقاتل الصامت؟ لأنه يقتل شرايينك ببطء وبصمت فلا تستيقظ منه إلا وقد دمرها ودمرك!

وما قد نتعرض له من خيانات أو غدر ربما كانت أحيانا من أقرب المقربين منا، أو ما نخوضه من قصص حب أو صداقات فاشلة، هي أيضا حوادث خير رغم قسوتها وألمها، لكنها قد تحمل أوجه خير لا ندركها إلا بعد زمن! فخياناتهم وغدرهم كشفت أوجههم القبيحة التي غطوها كثيرا في مسيرتهم معنا.. وأعطتنا درسا في الحياة -مهما كان قاسيا- لنكون أكثر حرصا وحذرا وتدقيقا في علاقاتنا وفيمن حولنا.

ولنتذكر دوما المقولة التي نرددها كثيرا ولندرك معناها: «الضربة التي لا تقتلنا: تقوينا».

وليس بالضرورة أن «علاقات الحب وسائر العلاقات الإنسانية» التي انتهت من حياتنا بالفشل، كان الآخرون هم سبب قتلها، ربما كنا نحن السبب في ذلك!

ربما كان في نهاية تلك العلاقات والقصص -رغم وجعها ومأساويتها- التي مرت بنا، درس لنا كي لا نقع في أخطاء قاتلة تسببت في قتلها! كي نعدل في سلوكياتنا! وربما كانت فرصة ليدخل آخرون في حياتنا بجدوى أكبر ومعنى أعمق!

الحقيقة أن كل حدث يمر بنا مهما كان سيئا، فإن له وجها واحدا على الأقل من الخير لم نستطع رؤيته، أو نرفض أن نراه. ليس هناك شر مطلق.. لكنه شر ممزوج بجوانب خيّرة، لنا أو لسوانا، مهما أنكرنا.

أدرك أن كثيرا من البراجماتية -النفعية- قد نسجت هذا المقال في نظر كثير منكم، لكن أحيانا نحتاج لصفعات من العقلانية والواقعية تعيد لنا بصائرنا التي قد تُخَيِّل لنا مع طول النعيم: إن الدنيا هي «جنة ليس فيها إلا المتعة والفضائل». نحتاج أحيانا لصفعات من العقلانية والواقعية تعيد لنا بصائرنا التي قد تُخَيِّل لنا أيضا مع كثرة الهموم وتوالي المصائب: إن هذه الكوارث التي حلت بنا هي نهاية المطاف. كل شيء سيمضي، وكل وقت مهما طال كربه أو سعده سيمر، والجميل أن هناك «يوما آخر» سَتوَفَّى فيه كل نفس ما عملت، وسَيُوَفَّى فيه الصابرون أجرهم دون حساب، وسنلقى فيه الأحبة دون همّ أو فراق.

ختاما: مع كل مصيبة أو فاجعة أو صفعة تتلقاها من هذه الحياة، لا تنسى أرجوك أن تدعو «اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها»، وأن تردد دوما «الحمد لله» ليسكن فؤادك، وتبرد نارك، وتُرزق الحكمة في فهم ما يجري والصبر عليه، وحسن التعامل معه وفق ما يقتضيه. ثِق أن الأجمل والأفضل قادم، اِملأ قلبك يقينا بالله وحسن ظن به، يغمره لك ويغمرك في جنة الرضا والفضل.

والحمد لمن سبقت رحمته غضبه، وعمّ عدله ونسجت حياتَنا حكمتُه، للحليم الكريم العظيم البرّ الحكيم، الحمد له كما يحب ويرضى، حمدا يوافي عطاءه وأقداره، ويستجلب رحمته ورضاه.