كان كل من قابلته فجر السبت فرحا وفخورا ببلاده وولاة أمره، بعد أن كشفت النيابة العامة في السعودية بعد إجراء تحقيقات أولية الكثير من الغموض الذي لف قضية اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، كان كل واحد لقيته يحمد الله كثيرا وهو يشير إلى أننا نعيش في مملكة العدل، وتحت حكم ولاة أمر ينشدون الحق ويقيمون العدل، وأنه لن تكون هناك قضية جنائية، ستقيد ضد مجهول، وأن بلادنا بما تملكه من مكانة بين دول العالم، وبما تتسم به من مصداقية أكسبتها احترامهم وتقديرهم، ستكون شفافة حين تقدم الحقائق كما هي، وستسعى إلى محاسبة كل معتد وظالم ومفسد، وإلى نصرة كل مظلوم، ولن تتوانى في ذلك مهما كلفها الأمر.

 إلا أن كثيرا من الوقفات المهمة على هامش قضية جمال خاشقجي، رحمه الله، أحببت أن أتوقفُ عندها كثيرا، وأتناولها هنا على عجالة، فهي وقفات ضرورية، ونحن على وشك أن نطوي ملف هذه القضية كي لا ننسى، فليس ما هو أغلى من الوطن على النفس بعد الدين، ورحم الله الرافعي حين قال «بلادي هواها في لساني وفي دمي...يمجّدها قلبي ويدعو لها فمي/ ولا خير فيمن لا يحب بلاده...ولا في حليف الحب إن لم يتيّمِ».

 الوقفة الأولى، مع ما حدث وكلنا أسف على تلك الأحداث، فهي فرصة يجدها كل مواطن سعودي، بعد انجلاء الغمة، أن يجدّد معها البيعة لولاة أمره، ويقدم لهم الولاء على السمع والطاعة، في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، على أن يكون سلما لمن سالمهم، وحربا على من عاداهم، فهي بيعة شرعية في ذمة كل مواطن سيلقى الله عليها، وقد ارتضيناهم لنا حكاما يحكّمون فينا شرع الله بالكتاب والسنة، وعاهدناهم على الوفاء والولاء، وأن يجدد الانتماء للوطن السعودية، بلاد الحرمين الشريفين التي ستبقى في قلوبنا وطنا لنا، وسنبقى جنودا حماة لها في كل وقت وحين.

 الوقفة الثانية، إن ما حدث خلال أيام الأزمة التي حدثت، من التفاف شعبي حول الوطن السعودية، وحول ملكنا سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين محمد بن سلمان -وفقهما الله إلى كل خير وحفظهما من كل مكروه- قد أدهش الجميع كما لمسناه في مواقع وسائل الإعلام الجديد، كان بمثابة «استفتاء» صادق على حب الوطن والقيادة، وسيبقى هذا الحب عهدا صادقا إلى آخر لحظات الحياة، توارثناه أبا عن جد، حب متبادل لا يمكنه أن يتبدل أو يتحول، ولذلك يجب أن يبقى هذا الالتفاف الشعبي حول الوطن والقيادة، فبلادنا ليست بالمرة الأولى التي تواجه فيها أزمة من هذا النوع وهذا الشكل، فهي منذ تأسست واجهت محنا وأزمات كثيرة، وكانت بفضل الله ثم بفضل عزيمة وحكمة وحنكة قادتها، تخرج منها قوية عزيزة.

 الوقفة الثالثة، لقد ثبت بما لا يدع للشك مكانا ونحن نشهد تكالب بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية علينا من فضائيات تلفزيونية وصحف وحسابات وإعلاميين مرتزقة، جندوا رماحهم المسمومة بسموم الحقد والكذب والتدليس والتضليل، ووجهوا حملاتهم المسعورة تجاه بلادنا وولاة أمرنا ومجتمعنا، أننا بحاجة إلى إعلام قوي يدفع عن البلد تهم المتخرصين، وأكاذيب الأعداء ومحاولاتهم تشويه الوطن، والتقليل مما حققناه من منجزات، سواء في القنوات التلفزيونية الرسمية، أو في الفضائيات الخاصة المحسوبة علينا، فلا يجب أن تكون خارطة برامجها تعج ببرامج الترفيه والتسلية التي تكلفها ملايين الدولارات، وهي لا تسمن ولا تغني لأبناء مجتمعنا بقدر ما تسهم في تسخيف عقولهم وتغريبهم عن هويتهم ببرامج مستنسخة، وأن يتم استثمار شباب الوطن وأبنائه، للعمل في تلك المؤسسات الإعلامية، حتى نستطيع أن نقول إن لدينا إعلاما وطنيا، وبحاجة إلى إعداد متحدثين إعلاميين، يشاركون في الفضائيات العربية والأجنبية بلغة رصينة قوية تملك قوة الحجة والرد والإقناع، فلست مقتنعا بمن يقول علينا أن نلتزم الصمت، أو لا ندخل في معارك إعلامية مع إعلام قذر، بل يجب ألا نمارس دور المتفرج على من يتجاوز حدوده بحجة لا ننزل إلى مستواه، فنحن مضطرون لمواجهتهم.

 الوقفة الرابعة، لست أعلم كم لدينا مراكز بحوث ودراسات تناول القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية، لهذا أقول نحن بحاجة إلى إنشاء مراكز دراسات وبحوث ذات إمكانات عالية المستوى، تكون بحجم ومستوى الوطن الذي يسابق الزمن نحو بلورة رؤية 2030، بما تحمله من مشاريع وطنية ستحلق بالوطن إلى آفاق مستقبلية مفرحة لأبناء وبنات الوطن، مراكز بحثية تقدم الاستشارات والمقترحات والقراءات المستقبلية، والخطط الإستراتيجية لكل راغب وطالب بحث، ولكل وسيلة إعلام وجهات ومؤسسات حكومية وخاصة، للإفادة منها وأن تكون مرجعا مهما للوطن وأبنائه.

 الوقفة الخامسة، لقد كانت الأزمة كفيلة بأن تكشف لنا الأصدقاء من «أبناء الوطن وإخوتنا العرب» الأوفياء الذين عدوا الوطن وطنهم، ونافحوا عنه وقت الأزمة، ونجحت في أن تعري الوجوه البشعة التي كانت تتخفى خلف الأقنعة المزيفة، وتكشف أهل النوايا السيئة تجاه بلادنا والمتلونين، وتظهر لنا الوجه القبيح لوسائل إعلامية فقدت مصداقيتها، وعملت على تسييس القضية، للإساءة إلى الوطن والنيل منه خوفا من السعودية الجديدة، وليس حبا في جمال كما تظاهرت بذلك، وتفضح زوار السفارات، وخونة الوطن المتسكعين في شوارع الغرب، الذين تحولوا إلى «أدوات» خلال أيام الأزمة ينفثون سمومهم تجاه بلادهم، ثم يذهبون إلى أسيادهم ليقبضوا ثمن خيانتهم لوطنهم وإساءاتهم له، هؤلاء وغيرهم لا يجب أن تكون «ذاكرتنا ضعيفة» في معرفتهم، أو التسامح معهم، فقد بالغوا في الإساءة لبلادنا وولاة أمرنا وشعبنا، وكما تقول العرب «جزى الله الشدائد كل خير...عرفت بها صديقي من عدوي»، فقد كانوا أعداء الداء، ولعل بعضهم خرج بعد كشف المستور في الأزمة، ليمارس «الابتزاز» وهو يدعو للإفراج عمن تآمروا وافسدوا وتواصلوا مع جهات أجنبية على وطنهم، فلهم جميعا نقول، الوطن سيكون «وفيا» مع الأوفياء، ولكنه سيبقى «عصيا» على الأعداء والمتآمرين والخونة، بإذن الله وعونه، وستخّيب كل مخططاتهم وتبوء بالفشل كل حروبهم، ولذلك فإن أعداء الوطن في الخارج، وفي الداخل من المتلونين، لن يتوقفوا عند ما حصل، ولن يرضيهم كشف السعودية للحقائق وحرصها على تحقيق العدالة، بل سيظلون يدورون في دائرة من محاولات إدخال الوطن في دائرة تناحر وصراع داخلي، وطائفية، وتصنيفية، لهذا يجب أن تكون جبهتنا الداخلية هي صمام أمان لتفويت الفرصة عليهم وإجهاض أحلامهم التخريبية.