واجهت وتواجه الحدود الأميركية المكسيكية -خلال الأيام الماضية- مشكلة كبيرة على حدودها مع المكسيك، تتمثل في قوافل بشرية تحمل آلاف الساعين إلى الهجرة للولايات المتحدة الأميركية من القادمين من أميركا الوسطى، إذ قدرت الأمم المتحدة أعدادهم حتى الإثنين الماضي بـ7200 مهاجر. وكانت بداية تشكُّل هذه القافلة الأسبوع الماضي، في شمال الهندوراس، والتي شهدت نموا ملحوظا منذ ذلك الحين من مهاجرين هاربين من العنف والفقر، الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة، بهدف إرسال الأموال التي سيجنونها إلى عائلاتهم. وفي ظل هذه الأزمة التي أصبحت لعبة سياسية في أيدي المرشحين من الحزبين في انتخابات الكونجرس التي ستجري في السادس من نوفمبر المقبل، قال الرئيس ترمب إن الولايات المتحدة ستبدأ بقطع المساعدات الخارجية عن الدول التي فشلت في وقف هذه المجموعات المتزايدة من آلاف المهاجرين الذين يسيرون عبر المكسيك إلى حدودنا الأميركية، وذلك في محاولة للضغط على تلك الدول لإيقاف هذا الزحف البشري، انطلاقا من موقفه المبدئي ومنذ ترشحه للرئاسة بمحاربة الهجرة غير الشرعية، وإلغاء القوانين التي تشرعن لاندماج المهاجرين غير الشرعيين في المجتمع الأميركي، بهدف إغلاق الأبواب أمام المجرمين والإرهابيين، والحد من تسرب الوظائف لمن لا يستحقها، والعودة بها إلى المواطن الأميركي الذي يستحقها. الرئيس ترمب ألقى باللوم على جواتيمالا وهندوراس والسلفادور، في عدم قدرتها على القيام بمهمة منع الناس من مغادرة بلادهم، والقدوم بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، في وقت تشير التقارير إلى أن قافلة ثانية تضم حوالي ألف شخص غادرت بالفعل هندوراس للحاق بالمجموعة الرئيسية. هذه المشكلة أتاحت للرئيس دونالد ترمب أن يشن خلالها هجوما غاضبا على الديمقراطيين، وذلك حتى يوحي بأنهم هم المسؤولون عن هذه القافلة التي تشق طريقها نحو الحدود. فمع ازدياد حدة التصريحات والمعارك الانتخابية للكونجرس، يعمد الرئيس ترمب إلى استغلال موضوع الهجرة وهذه الأزمة كوسيلة لمساعدة الجمهوريين للحفاظ على مجلس النواب، إذ قال في تجمع انتخابي في ولاية أريزونا قبل بضع أيام، مخاطبا جموعا غفيرة من المؤيدين، إن "الديمقراطيين يريدون أن يجعلوا حدودكم مفتوحة على مصراعيها للقتلة والعصابات". رهان الرئيس على تضخيم هذه الأزمة، واعتبار الهجرة خطرا وطنيا على الأمن والازدهار في أميركا يأتي على خلفية تخوف الجمهوريين من خسارة مجلس النواب الأميركي، إذ تبين استطلاعات الرأي أن هناك فرصة معدلها 16% فقط في إمكان احتفاظ الحزب على الغالبية، في وقت أشارت نتائج الانتخابات الرئاسية التي أتت بترمب رئيسا، إلى أن موضوع الهجرة وإذكاء الخوف في المجتمع الأميركي من المهاجرين المكسيكيين أسهمت في فوز ترمب بالبيت الأبيض عام 2016، فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في تلك الانتخابات أن ترمب استطاع أن يسحق هيلاري كلينتون، بكسبه تصويت الناخبين الذين صنفوا الهجرة على أنها أهم قضية، متفوقا عليها بنسبة 31%، إضافة إلى أن 73 % من الناخبين الذين صوتوا لترمب في الانتخابات صنفوا الهجرة على أنها "ذات أهمية بالغة". وعلى ذلك، فإن الديمقراطيين يخشون من أن يكون موضوع الهجرة قضية يمكن توظيفها لتصبح قضية عاطفية، تدفع الناخبين الجمهوريين إلى التحرك والذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات نوفمبر، في وقت كان رهانهم خلال الأشهر والأسابيع الماضية يتمثل في عزوف الناخبين الجمهوريين عن المشاركة، إما لتراخيهم أو لقناعتهم بأن الحزب مسيطر، أو لمجرد شعورهم بأن الرئيس قادر على تحقيق النجاح لهم. قضية هذه القوافل ستكون أحد أهم المسائل التي ستبنى عليها خطابات وبرامج المرشحين الانتخابية، فعلى الرغم من أنها تسببت في حرج إعلامي وجماهيري للرئيس وأتباعه، تولى اليسار تضخيمها، فإن اليمين ربما يستطيع أن يحول هذا التحدي إلى وسيلة يمكن خلالها تحويل توجهات الناخبين وتحفيزهم إلى التحرك بأعداد كبيرة للتصويت، وذلك بإقناعهم أن الخطر الآني قادمٌ من هندوراس عبر المكسيك، مدعوما بيسار يخطط لتقويض استقرار وازدهار بلادهم.