«السلطة لا تفسد الناس، ولكن الناس يفسدون السلطة» ويليام جاديس كاتب وروائي.

لو أن جميع من يدّعون أنهم معارضة في الخارج والعملاء وجميع رفاقهم، من كارهي المملكة من الإخوان المسلمين واليساريين العرب والغربيين وحلفائهم من اللوبي الإيراني وغيرهم، اجتمعوا جميعا مضروبين 100 مرة، وحاولوا أن يشوّهوا صورة المملكة في العالم لما استطاعوا أن يفعلوا شيئا، مقارنة بما قامت به العناصر المتهمة بقتل الأستاذ جمال خاشقجي، وأخفت الجريمة بكل غباء!.

هذا ليس فشلا طبيعيا لعملية استخبارية أو غلطة، بل هو مجموعة من التصرفات الفردية الهوجاء التي جرَّت تصرفات رعناء، وأدت إلى خيانة للأمانة وللوطن.

خلال أكثر من أسبوعين بعد اختفاء جمال خاشقجي، حاولنا بكل ما نستطيع الدفاع أمام الإعلام الغربي والصحفيين الأجانب عن القضية، مستخدمين المنطق والتاريخ ومعرفتنا بدولتنا، وطالبناهم بالتروي وعدم القفز على النتائج، لأن المنطق يقول: لا يمكن أن يقدم أحد على فعلٍ أهوج مثل هذا في سفارة بلده.

ثانيا، نحن نعرف جيدا تاريخ بلدنا منذ تأسيس المملكة الحديثة، لم تقم المملكة بعمل اغتيالات أو اختطافات لأكثر الناس عداوة لها، فما بالك بإعلامي سعودي. كان هناك تشفٍّ من بعض الصحفيين الغربيين بعد الإعلان، لكن لا يهم، كله يهون من أجل البلد.

لست هنا للتحدث عن أهداف الحملة الإعلامية الشرسة على المملكة وأهدافها الحقيقية، وليس عن سوء إدارة الأزمة إعلاميا، فقد كتبت عدة مقالات في الأسابيع الماضية، وشرحت الأهداف والأبعاد والعناصر.

لكن سأتكلم بصراحة عن دروس استنبطناها من قضية خاشقجي للأسف.

سأتحدث عن الاستخبارات ووزارة الخارجية وبقية دوائر الدولة، وكيفية محاسبة رجال الحكومة، ووضع نظام لمنع حدوث مثل هذه الأحداث.

قبل عدة أشهر، كتبت مقالا باسم «من ينتقد الحكومة؟»، إذ طالبت بوجود نظام محاسبة حكومي خارج الصندوق، وخارج الرقابة الداخلية التقليدية، لمحاسبة مسؤولي الحكومة وأدائهم.

أعترف أني متحمس جدا للرؤية، وأعدّها أهم الأولويات، وأساند بقوة الدماء الجديدة، لكن اعتقدت في ذلك الوقت -رغم الحماس الزائد- أن هناك من سيأتي من الدماء الجديدة سيسيء استخدام السلطة، لأن السلطة وبريقها يخطفان عقول البعض، لذلك طالبت بنظام محاسبة ونقد لإنجازات وأعمال الحكومة.

للأسف، حدث ما حذّرنا منه، والآن وقت الإصلاح، ونحن لدينا الشجاعة بقيادة سيدي «أبو فهد» للاعتراف بالحقائق وإصلاحها.

قد يقول البعض، إنه ليس وقت اللوم والحساب لأننا في أزمة، وعندما تنتهي الأزمة سيقولون خلصت الأزمة لماذا فتح الموضوع مرة أخرى.

على العموم فتحه الآن سيذكرنا للعمل بحرص.

دعونا نتكلم عن عناصر هذه القضية، وسأبدأ بالاستخبارات، وليس من عادة العرب نقد جهازهم الاستخباراتي، لكن ليتّسع صدر الإخوان في الاستخبارات، وعادة بعض جهات الحكومة الأقل حساسية لا تتقبل النقد، فما بالكم بجهاز حكومي كالاستخبارات، لكن أعرف أن الاستخبارات يقودها رجل دولة، ويقدّر، ونعرف أن هؤلاء العناصر مجرد استثناء، ويجب ألا يعمموا على رجالات الاستخبارات الذين خدموا البلد بإخلاص لعقود.

ولنبدأ بتركيبة الفريق نفسه، 15 عنصرا لمفاوضة إعلامي واحد، ويأتون بجوازاتهم الرسمية، وتركيبة الفريق لا يوجد مفاوض محترف واحد!

هل يعقل، كما ذكر مسؤول سعودي لـ«رويترز» أن يبدأ أحد الفريق المارق بمفاوضة شخص بالقول: بنخدّرك ونخطفك؟

طبعا، سيشعر بالهلع ويصارخ، لا يوجد في علم المفاوضات أي شيء من هذا القبيل !!.

أذكرُ أننا تكلمنا سابقا في مقال «ماذا بعد الريتز»، أن كل شيء يمشي بالرفق واللين، وأن سبب نجاح غالب التسويات أن الموضوع كان في فندق وليس سجنا، وليست فيه إهانات، ولم تُستخدم طريقة «خذوه فأهينوه»، وكثير منهم طلع بحفظ كرامته، فكيف تستخدم هذه اللغة مع خاشقجي؟

«إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ».

أما التصرف الآخر من كثير من التصرفات غير المعقولة في هذه المهمة، والذي لا يدل على أي احترافية وحسّ استخباراتي، هو لبس أحد أفراد الفريق ملابسه والتجول بها، والشوارع مليئة بالكاميرات، والوجه واضح فيه الاختلاف، هذا غير مقر القنصلية الذي يبدو أنه مليء بأجهزة تنصت، أو على الاتصالات.

لنكن موضوعين، نحن تفاءلنا برئاسة الأستاذ خالد الحميدان للاستخبارات، لأنه جاء من المباحث، والمباحث تاريخها يشهد لها بالفعالية والنجاحات والاختراقات، وتنظيف البلد من القاعدة، والحميدان خريج أميركا ومثقّف، كما أن التنسيق سيكون أكبر في وجوده بين الجهازين، والحق يقال إن التغيير في جهاز الاستخبارات بدأ مع الأمير بندر بن سلطان، وهناك عمليات ناجحة مثل كشف الجواسيس، ثم جاء الحميدان وأكمل عملية التغيير التي تحتاجها الاستخبارات، لأنه -للأسف- كان سابقا هناك خطٌ هيكلي في الاستخبارات، ولما أُعلنت العملية الاستخباراتية قلت في نفسي مستحيل يكون الحميدان على علم بها، رجل خدم عقودا في المباحث، وصاحب حسّ أمني واستخباراتي عالٍ، وفعلا ما خاب ظننا فيه، لكن حماسا زايدا من أناس أتوا من خارج المنظومة الاستخباراتية، ويبدو أنهم يريدون الوصول السريع إلى إنجازات، فقاموا بالعملية بكل صفاقة وعدم تخطيط، وكما هي عادته حسمها سيدي خادم الحرمين، بإنشاء لجنة إعادة هيكلة وتعديل نظام الاستخبارات، وهذا الأمر من الملك يفيد الاستخبارات، بأن تستعيد بريقها، وتحافظ على صورتها أمام المواطنين أيضا.

أما وزارة الخارجية، للأسف، فموظفو القنصلية السعودية خيبوا الظن بدرجة هائلة، هناك قصور كبير جدا في السفارات السعودية، وكتبنا عنه كثيرا، وكان البعض في الخارجية يعتب علينا، وكتبنا مقالا: «أين جيل هؤلاء العظماء»، و«طريقة اختيار المسؤول كيف تكون»، وكذلك «لماذا سفارتنا بالخارج غير فعالة».

كيف يخفي موظفو القنصلية مثل هذا الحدث، وكيف يتواطؤون مع العناصر المشتبه بها في الجريمة، ألا يعرفون بلدنا كما أي مواطن يعرفها؟ بالمنطق، كيف يصدقون أن الحكومة ترضى بهذا الفعل؟ لو أحضرنا مواطنا مدنيا عاديا ليست له خبرة بالعمل الحكومي، ويأتيه مسؤول ويقول إن الحكومة تريد مثل هذا العمل، لما صدقه ولرفض طلبه.

نحن في عهد سلمان بن عبدالعزيز، رجل الحزم، وفي عهد ابنه مكافح الفساد، من سابع المستحيلات أن يكون هذا طلبا من الحكومة في عهد صديق الصحفيين «أبو فهد»، نحن نعرف ملكنا، أهل الرياض، عاشرناه عقودا، صاحب حق، وولده ورث منه ذلك، فكيف برجل دبلوماسي في القنصلية في تركيا قضى عقودا في العمل الحكومي يرضى ويصدق هذا العمل؟! أي منطق بل أين عقله؟ أين تصرفه أن يتصل برؤسائه للتأكد والمشاورة؟ السفارات في الخارج مناطق لها حرمتها، ودائما ما يكون الدبلوماسي هو رئيس البعثة، وله الكلمة الأخيرة حتى مع وجود أشخاص من قطاعات أخرى، بدل التواطؤ مع هؤلاء الخارجين عن القانون. سابقا، كان يقال السفارات لا تساعد المواطنين بشكل كاف، الآن -للأسف- بسب هذا التصرف الأحمق قُتل سعودي في قنصلية بلده، والأسوأ تم التكتم على الجريمة ، وكتابة تقارير كاذبة لولي الأمر.

إن من أعظم الجرائم التي ارتكبت، هي كتابة تقارير زائفة لولي الأمر، مما يجعل هناك تساؤلا كبيرا على مصداقية تقارير السفارات، لأن هذه التقارير تبنى عليها أمور وقرارات مهمة للدولة.

وما زاد الطين بلة، أن كثيرا من سفاراتنا لم تقم بأي دور يذكر خلال الحملة الإعلامية للدفاع عن الوطن، بل كانت ضعيفة في الردود، غير فعالة.

17 سنة منذ أن كان معالي الأستاذ عادل الجبير متحدثا للسفارة السعودية في واشنطن، يدافع عن المملكة بكل اقتدار وذكاء، وفهم للعقلية الغربية، أيام الحملات الإعلامية السابقة.

إلى الآن، لا يوجد متحدث واحد لدينا في سفاراتنا يستطيع أن يدافع ويتحدث للإعلام العالمي في هذه الحملة!، ما أكثر دبلوماسيينا في الخارج عندما تعدهم، لكن عند الأزمة لم نر أو نسمع أحدا!، إلى أن خرج علينا الأستاذ الجبير في «فوكس نيوز» وقام بالدور كالعادة بكل احترافية. الله يعينك يا أستاذ عادل هذا وأنت وزير الخارجية، وما زلت تشيل نفس الحمل وحدك، والله يعينك أيضا على فلترة كثير من دبلوماسيينا الذين لا أعرف دورهم وقت الأزمات، أو حتى دون أزمات. والله يعين على مراجعة تقارير سفاراتنا لأنه -للأسف- أصبحت علامة استفهام عليها.

خلاصة ما تعلمناه في هذه الأزمة، أننا نحتاج إلى خلية إدارة أزمات محترفة، ونحتاج إلى إعلام خارجي فعّال مستمر، ونحتاج إلى فلترة قوية في سفاراتنا بالخارج، من ناحية الفعالية والاختيار ومصداقية المعلومات، وإذا كان لي -كمواطن- من اقتراح، فأرجو إما إنشاء إدارة مستقلة تحت نظر سيدي الملك سلمان، وولي عهده، تحت ما يسمى «المفتش العام»، للتفتيش على أجهزة الدولة ومحاسبة رجال وقطاعات الدولة، أو جعل اللجنة المشكلة لهيكلة الاستخبارات تتابع عملها لبقية القطاعات.

لا يوجد لدي أي شك أن القيادة العليا لم يكن لديها أي دراية بمثل هذه العملية المارقة، وأن المملكة ستخرج من هذه الأزمة أقوى من قبل، وكما هي عادة هذا البلد الذي خرج أقوى من أزمات أكبر، وليس لدي شك أن المتسببين سيعاقبون. فهذا عهد «أبو فهد» قولٌ وفعل، لكن الأهم في نظري الحيلولة دون وقوع تزوير تقارير مستقبلية للقيادة العليا، من أجل مصداقيتنا المعروفة عنا كبلد وقيادة، وإبعاد المتهورين المتسلقين الصاعدين حديثا إلى المناصب، حتى لا يقوموا بأعمال تؤثر على الوطن، فتركيزنا وهدفنا الأهم الذي يجب أن نوليه كل الاهتمام، هو تحقيق،هداف وطموحات رؤية 2030، وقيادة العالم والمنطقة، فالمستقبل ينتظرنا.