في كوريا الجنوبية تمت محاربة هيمنة هوليود وبوليود على صناعة السينما منذ الستينات الميلادية، اليوم: نصف الجماهير الكورية تتابع محتويات سينمائية محلية، والنصف الآخر يتابع منتجات سينمائية عالمية. في كوريا الجنوبية المعاصرة بدأ نضال جديد يشبه ذاك الذي بدؤوه في الستينات، إنه النضال على الإنترنت ومقاومة هيمنة دول خارجية على إعلامهم الرقمي. في كوريا الجنوبية معظم مواقع الإنترنت الكبرى لا تعمل سوى على هامش وظل المواقع المحلية الكورية، جوجل لا يشكل سوى 8% من حركات البحث ومعظم المستخدمين الكوريين يبحثون أونلاين عن طريق «Naver»، وهو محرك بحث كوري خاص بهم، له خرائط بديلة عن «جوجل مابز»، وفيه مزايا أخرى عديدة. حتى «فيسبوك» و«تويتر» بالكاد يعرفهما الكوريون في كوريا الجنوبية، ولا يتمتع هذان الموقعان بنفس الشهرة والشعبية التي يتمتعان بها في الشرق الأوسط والعالم العربي، وحتى في أميركا وأوروبا اللتين تصدران أنظمة تشريعية لمقاومة الهيمنة في الملكية بشكل دوري ومتكرر.

هناك اهتمام كبير بما يتعلق بالبنية الإعلامية وامتلاك المنصات بشكل كامل هيكليا وضمنيا ليس في كوريا الجنوبية فحسب، بل حتى في الصين واليابان وكوريا الجنوبية. تهيمن شركات الإنترنت الوطنية على تلك العالمية أو الغربية، ومن النماذج الصينية الناجحة في الصين مواقع مثل غلام ميديا، تينسنت، بايدو، علي بابا، وغيرها. تشجع الحكومة الصينية اقتصادات وسائل الإعلام الصغيرة. وحتى في دول أخرى كالبرازيل والهند اللتين تتربعان في المرتبة الـ11 والـ14 من حيث حجم اقتصادات وسائل الإعلام الوطنية الصغيرة عالميا، تظهر أهمية هذه المواقع الإعلامية الوطنية عندما يتم النظر لتعداد زيارات بعض المواقع العالمية المهيمنة مثل ويكيبيديا. تقع «ويكيبيديا» ضمن أكثر 10 مواقع زيارة في جميع دول العالم، باستثناء كوريا الجنوبية (ويكيبيديا تقع في المرتبة الـ16)، والبرازيل (ويكيبيديا في المرتبة الـ17)، بالإضافة إلى الصين التي لا تحضر فيها ويكيبيديا حتى ضمن قائمة أكثر من 100 موقع تمت زيارتها.

مواقع أكثر شهرة وشعبية من «ويكيبيديا» مثل Google نجح في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا وألمانيا وفرنسا في السيطرة على 80 إلى 90 في المئة من حركات البحث سابقا، بذلك كل نموذج وطني يمكن أن ينافسه. ولكن في بلدان أخرى تهتم بدعم وبناء إعلام محلي رقمي، تلعب شركة Google وغيرها من الشركات «الغربية» أدوارا ثانوية تماما كما هو الحال في روسيا والصين واليابان، إلى جانب كوريا الجنوبية آنفة الذكر. إن هذه المحاولات لكبح جمال التمدد الإعلامي الخارجي على الصناعة الإعلامية المحلية أمر ليس بيسير وله أبعاد واسعة ضمنها حفظ خصوصية معلومات المواطنين، وحفظ حقوق الطبع والنشر المحلية، والاستفادة من إيرادات الإعلانات المحلية وطنيا، وفهم «سلوك الجمهور» المحلي. لذلك فإن الحديث عن ملكية محلية للإعلام يشمل الحديث عن موضوعات أخرى لها أهمية إستراتيجية وأبعاد اقتصادية وجيوسياسية واسعة قد لا تخطر على بال غير المختصين من الوهلة الأولى. إن تشجيع الملكية المحلية السعودية للإعلام، ورصد محاولات الهيمنة العالمية في سوقنا الإعلامي بهدف إنشاء منصات محلية تنافس في الجودة والإنتاج تلك العالمية، أمران جديران بالاهتمام، خصوصا في هذا العصر الرقمي الذي تستمر فيه الصناعات الإعلامية بالتجدد والتمدد والتغير، واستحداث مزيد من الخصائص. إن مبادرة كهذه تتوافق تماما مع رؤيتنا الوطنية 2030، ومن يدري ربما إذا كان من الممكن الاستعداد للمنافسة اليوم بصناعتنا المحلية، أو إذا كان من الممكن اليوم أن نفرض قوانين تحمي نموا تدريجيا لصناعتنا المحلية، فقد يكون تنفيذ هذين الأمرين أكثر تعقيدا بعد سنوات، إذا طارت الطيور بأرزاقها.