يظن البعض أن الحملة الموجهة ضد المملكة العربية السعودية هدفها الأول والوحيد هو الوطن وقيادته، غير أن الأمر أبعد من هذا، لأن من يقود هذه الحملات ويتبناها يعلمون، قطعا، بصعوبة النيل من السعودية وقيادتها، ولكنهم يستهدفون المجتمع السعودي الداخلي.

وبالعودة لأول وهلة جاء فيها خبر اختفاء الأستاذ جمال خاشقجي -رحمه الله- كان الجميع، ودون أدنى شك، لا يفكرون قيد أنملة بأن اختفاءه كان نتيجة لاغتياله داخل القنصلية السعودية، فضلا عن عدم اعتقادهم أنه ما زال داخلها أصلا.  كان أغلب من اطلع على الخبر يعتقد أن في الأمر لبسا، وأنه بالتأكيد خرج دون أن يشعر به أحد، بدليل أن قناة الجزيرة نفسها، وهي العدو اللدود للقنصلية ولأصحابها، أعلنت أن جمال غادر القنصلية بعد 20 دقيقة قبل أن تحذف الخبر. مما يدل على انطباع ذهني تلقائي وجمعي، حتى من الخصوم، باستحالة أن تفعل المملكة العربية السعودية أي عملية تصفية، سواء على أراضيها أو أراضي غيرها، بناء على التاريخ السعودي النقي من جرائم الاغتيالات والقيم السعودية المعهودة عند الجميع.  كان شعور استعصاء تدبير أمر سوء من السعودية تجاه مواطنها هو الشعور الإيجابي العام لدى سكان المعمورة قاطبة، وأولهم خصومها، كقناة الجزيرة وخبرها المحذوف، السالف الذكر، والذي يوجد صورة منه على منصة تويتر.

في هذه الأثناء، برقت لأذهان الخصوم فكرة اهتبال هذه الفرصة الذهبية ضد الرياض، وإلصاق التهمة بها وبقيادتها للتأثير على المواطن السعودي، سلبا، ومحاولة هز ثقته بنفسه ووطنه وقيادته. بدأت الحملة تتكثف من كل الجهات، ولم تعد قاصرة على قناة إقليمية واحدة، بل أصبحت قنوات ووكالات أنباء وصحفا دولية، والتي ظهر جليا أنها بدأت تعمل من مطبخ إعلامي موحد تنقل الصيغة الخبرية والصور على رتم واحد.

هذا الضخ الإعلامي المكثف من أخبار وتقارير ولقاءات وبرامج دولية موحدة ومنصبة تجاه السعودية، يجعل بعض العقلاء، ربما، يشككون في قناعاتهم، فضلا عن الإنسان السطحي الذي يسلم عقله وقناعاته لما يشاهده عبر الشاشات صباح مساء. دعوى اغتيال القيادة السعودية مواطنها في قنصليتها حملة سبقتها حملات لتشويه السعودية وإظهارها بأنها الدولة المتوحشة في قضايا مثل حرب اليمن وتوقيف المتهمين، هي حملات ممنهجة موجهة للداخل السعودي، من باب أول من أجل هز ثقته والتأثير عليه قدر الإمكان.

إن محاولات دق الأسافين، بكل أشكالها المختلفة، السابقة منها واللاحقة، في المجتمع السعودي لم ولن تتوقف، لكنها اشتدت مؤخرا بعد إعلان السعودية حربها على التشدد الديني والجماعات الإرهابية ومن يؤويها ويمولها كتنظيم الحمدين. زادت غصة هؤلاء عند ظهور إصلاحات ولي العهد الجديدة، وبدأ الضرب على كل مشاريع الرؤية جملة وتفصيلا، لتأتي قضية خاشقجي على طبق من ذهب لتوجيه الرأي العام السعودي والدولي ضد قائد الإصلاح والرؤية السعودية. ولذلك نجد تأثير هذه الحملات في مجالسنا العامة والخاصة من حيث تبني خطاب التصعيد، حيث تلحظ على البعض التأثر السلبي والتوتر الطارئ غير المعهود عند مناقشة هذه المسائل، وبالتالي فهي خطوة مغرضة يراد بها إحداث بلبلة وانشقاق في الداخل السعودي. وإذا سلّمنا بأن بلادنا هدف واضح وإستراتيجي لكل هذه الحملات فإن علينا جهدا كبيرا في تدعيم الجبهة الداخلية، وهي الجبهة الأولى التي لا بد أن نركز عليها، ونحوّل كل الرسائل التوعوية المكثفة نحوها، حتى نجعل كل الناس في صف واحد لمواجهة كل هذه الحملات المغرضة.

إننا، الآن، أحوج ما نكون إلى رسم إستراتيجية وطنية مُحكمة لإبطال هذه المخططات، من خلال كشفها ونقاشها بصورة هادئة، وبيان أهدافها وأهداف من يقف وراءها من الذين يحاولون ضرب بلادنا من داخلها، وإلحاقها بصور الخراب الموجود في العالم العربي.

إن الوعي هو المرتكز الأول لصيانة واستقرار أي مجتمع على وجه البسيطة. وإذا نظرنا للأحداث القريبة من حولنا، والتي أودت بدول وشعوب، نجد أن الوعي هو العنصر المفقود لدى بعض أفراد تلك الشعوب.  إن الذي أدخل دولا في فخ الربيع العربي وجعلها في معضلة فادحة هو ضعف الوعي لدى كثير من شعوبها، خاصة الشباب منهم، الذين ألّبوا الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حين قادوا حملة التغيير بطرق عنيفة ثم دخلوا في مأزق لا يستطيعون الخروج منه.

قضيتنا الكبرى تتلخص في تحصين وتنبيه الناس إلى عدم التأثّر بتلك الأخبار والدعايات هنا وهناك. إننا على ثقة بقرارات ولاة الأمر مع الإقرار بوجود ملاحظات وأخطاء، كطبيعة بشرية، إلا أننا مدركون أن الحملة المغرضة لا تستهدف الملاحظات والأخطاء، بل تستهدف في نهاية المطاف وجودنا السعودي.