الارتباط الديني والإعلام المناوئ

يقينا هناك نشاط إعلامي كثيف بمختلف الدرجات لإظهار المملكة العربية السعودية وكأنها تخلت عن ارتباطها الديني الذي لا تُنَاظِرُها فيه دولة من الدول الإسلامية، وتصويرها وكأنها ساعية وبجد لاستبدال العلمانية بالإسلام، وللأسف فهذه الصورة، أحد من يَعْمَل على تكوينها: الإعلام العربي المناوئ للسعودية، سواء أكان رسميا أم اجتماعيا، وله أهداف واضحة من سلوكه هذا، منها: إحداث فجوة كبيرة بين المواطن والدولة، لِمَا هو معلوم من عظيم ارتباط الشعب السعودي بدينه، وأن من مظاهر اعتزازه بدولته: ما لديه من قناعة بأنها قامت على حفظ هذا الدين في الداخل والدعوة إليه في الخارج، وانقلاب هذه القناعة سوف يُحْدِث في نفوس المواطنين انكسارا كبيرا وانصرافا عن محبتها ومؤازرتها، ومن هذه الأهداف: إيجاد قناعة لدى الشعوب الإسلامية بأن السعودية باستبدالها العلمانية بالإسلام -بزعمهم- لم تعدّ مؤهلة لخدمة الحرمين الشريفين اللذين لهما من القداسة ما لا ينبغي معها أن يحظى بشرف خدمتهما إلا دولة تجعل الدين شرعة ومنهاجا.

الارتباط الديني وإعلام الداخل

فغاية هذا الإعلام الخارجي المناوئ للسعودية واضحة للعيان لا يَشك بها متابع، لكن المؤسف وغير المفهوم هو أن يساعد على تكوين هذا التصور وترسيخه في نفوس الناس في الداخل والخارج: بعض وسائل الإعلام والمنتسبين إليها، وعدد من أصحاب منابر الإعلام الاجتماعي، وذلك عبر تقديمهم بعض مظاهر الانفتاح التي انساق إليها فئات من المجتمع، أو وقعت كأخطاء في التطبيق من بعض الهيئات الحكومية.

يقدمون ذلك وكأنه انقلاب على الماضي وتغير كلي في منهج الدولة وسلوك المجتمع، وذلك إما عبر تضخيم بعض المظاهر وتصويرها بحجم أكبر بكثير عما هي عليه، كما حصل في محاولة تصوير بداية العمل بنظام السماح للمرأة بالقيادة، وكأن كل نساء البلاد انطلقن بسياراتهن، وأن هذا الانطلاق ليس مجرد قيادة تخدم بها المرأة نفسها وأُسرتها، وإنما هو انفتاح وتحرر وانعتاق من الماضي، ولا شك أن هذه لم تكن الصورة الحقيقية، ولم يكن ذلك ما أرادته القيادة من هذا القرار.

وإما بإظهار التطبيقات لبعض القرارات في أسوأ مظاهرها، بل إبراز التطبيق السيئ للقرار، والذي لم يكن مرادا للمنظِّم وكأنه هو الثمرة المبتغاة من القرار، كما فعلوا في تقديمهم لقرار السماح للعائلات بدخول الملاعب، حيث جرى لدى بعض الوسائط الإعلامية إظهار بعض الفتيات وقد خلعن جانبا كبيرا من حيائهن وبرزن في المدرجات لا على هيئة مستمتعات بهذه المشاركة المباشرة في التشجيع الرياضي، بل على هيئة فتيات مسترجلات يمارسن أسوأ ما يمارسه الشباب من سلبيات في المدرجات الرياضية، مما يتنافى مع قيمة الحياء والتستر والانضباط التي لا ينبغي أن تنفك عنها أخلاق الفتاة المسلمة.

وإما بالصمت عن إنكار مخالفات شرعية ونظامية لا شك فيها قام بها بعض من حاولوا أو حاولن استغلال الجو العام للانفتاح في إشاعة مظاهر مُنْكرة شرعا لترويجها في المجتمع السعودي، وزعم أنها مطلوبة لدى متخذ القرار، وذلك كما حدث مع حملة إسقاط الولاية التي اشتعلت في مواقع التواصل الاجتماعي، ودعم بعض الكتاب لها بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك دعمها إلكترونيا من عدد من المنصات الإعلامية الإلكترونية، بالرغم من ظهور هوية منشئ هذه الحملة وانطلاقها من بلد معادٍ، إلا أن عدم الوقوف الإعلامي في وجهها كما هي مهمة الإعلام الوطني الذي يتحتم عليه الوقوف في وجه كل ما يخالف النظام، وكذلك وقوفه محايدا حيادا أقرب لموقف تلك الحملة، حتى أُعْلن عن اكتشاف خلية من عدد من النساء والرجال الذين شاركوا فيها تسعى إلى زعزعة قيم المجتمع. وإما عن طريق استغلال موقف الدولة من جماعة الإخوان المسلمين، لِمُلَادَّة بعض مظاهر التدين لدى المجتمع، وتشويه التعليم الديني، والمناهج، وشعيرة الاحتساب، والأنشطة الطلابية ذات التوجه الديني، وكأن كل ذلك لا يمكن أن يُفهم إلا على كونه نشاطا إخوانيا حزبيا.

وكذلك عبر تقديم النماذج الخارجة عن تقاليد النظام الاجتماعي على أنها تمثّل التغيير الأمثل الذي يسعى إليه الزمن الجديد، مع العلم اليقيني بأن الأمر ليس كذلك.

مواقف خاطئة انزلق فيها الإعلام الرسمي والاجتماعي

هذه أمثلة لمواقف خاطئة انزلق فيها الإعلام الرسمي والاجتماعي بدرجات متفاوتة، وهي وإن كانت تصدر غالبا عن آراء شخصية لِمُعدِّيها إلا أنها أسهمت ولا تزال تُسهم بشكل كبير في تحقيق مآرب الإعلام الخارجي المناوئ للدولة، بل هي تُتَّخَذ من قبل ذلك الإعلام المناوئ حُججا على دعاواهم بأن هناك إرادة مُتَبَنّاة داخليا لتغريب المجتمع والذهاب بالدولة عن مشروعها الإسلامي.

أضف إلى هؤلاء الكثير من الغيارى البسطاء، وأعني بكونهم بسطاء، أي: في إدراكهم وبصيرتهم وليس في مكانهم الاجتماعي أو العلمي، فهؤلاء كثيرا ما يبالغون في نشر الأخطاء والمخالفات بقصد إنكارها حتى يصل الأمر إلى إشاعتها وإبرازها، وكأنها تحدث في كل شارع وزاوية من زوايا مدن المملكة وليست حدثا واحدا في دولة تشتمل على مئة وسبع وأربعين محافظة وعاصمة إدارية، وربما استماتوا في نشر الخطأ الفردي لبعض الفتيات أو الفتيان حتى يقع في خلد المتابع أنه يعبر عن انقلاب في أخلاق المجتمع، وتحول عام في الطبائع والأخلاق تُقِرُّه الدولة والمجتمع معا، ويتهافت عليه سائر الناس.

أقول -بكل أسف-: إن كل ما تقدم بالإضافة إلى عوامل أُخَر نجح في تشويه صورة المملكة بين شعوب العالم الإسلامي، كما نجح أيضا في الإسهام في حالة تهيئة قلوب الشباب المتطرف لما وقعوا فيه من الانحراف الفكري، وأعني التطرف بجناحيه، جناح الإيغال في الدين وجناح مجافاته، فكلا هذين الجناحين كان لما تقدم من التصرفات الإعلامية داخلية وخارجية يد ظاهرة في غَزْلِهما.

كما أن فهم الانفتاح على غير وجهه أدى ببعض القائمين على قطاع الأعمال الخاص وشبه الخاص إلى تجاوز بعض الأنظمة المتعلقة بعمل المرأة، مما يقوي شبهة ذوي الشبهات ويقدم دعما للمغرضين.