في صباح السبت 10 ديسمبر 1981، خرجتُ من بيتنا إلى مدرستي، بقي على بدء الطابور الصباحي 10 دقائق فقط، بالكاد تكفيني إذا أسرعت الخطى، انطلقت وأنا أتذكر وجه مدير المدرسة الحاد، وخيزرانته الطويلة، فيغوص قلبي، وأحرك شفتاي لا إراديا متمتما: الله يستر.

السماء تمطر، والريح قوية غاضبة، وأنا أخطو عجلا على أرض مرتوية موحلة، لا أدري كم مضى من الوقت ؟ لكنني أحس به يتسرب بسرعة، وأنا كأنني أراوح في مكاني إلى الآن. لم أتجاوز بيت زميلي حامد، وهو تقريبا في منتصف المسافة، أرسلت النظر إلى امتداده، في جميع الاتجاهات، لا يوجد طلاب يسيرون إلى المدرسة، هذا مؤشر قوي على أنني متأخر.

آه.. سيكون المدير بانتظاري عند بوابة المدرسة، ليبدأ مسلسل الرعب

والإهانات.

لا.. لا، إن شاء الله أصل في الوقت المناسب، أو يكون المدير غائبا، مع أن وكيل المدرسة سيكون موجودا، لكنه -بصراحة- أرحم من المدير، لم أنتبه متى بدأت أعدو بأقصى سرعة، وحقيبتي معلقة على ظهري، حركة الحقيبة لا تتزامن مع خطواتي، كأنها تدفعني إلى الوراء، لكنني في سباق مع الزمن الذي لا أراه، ها هي المدرسة على مقربة مني، 20 مترا تقريبا، أمامي تجمُّع لماء المطر، انحرفت لأتفاداه.

تململت واقفا، ماذا حدث؟ يا إلهي.. يداي ملوثتان بطين ثقيل، وثوبي يقطر ماءً وطينا، لقد سقطت، يا للكارثة.. ماذا أفعل الآن؟ أأعود إلى المنزل لتبديل ثوبي؟ سيعاقبني عقابا عسيرا، ولن يصدق بأنني سقطت أمام المدرسة، سيعدّها قصة مكذوبة من بنات أفكاري، ما الحل إذن؟ لا بد من مواجهته بحالتي الراهنة، هذا أسلم لي، مع أنني أخجل أن يراني أحد بهذه الحال المزرية.

وضعت قدمي على عتبة مكتب المدير، فوقف مذهولا، وصاح بي: وش فيك؟

أجبته وأنا أرتعد من الخوف والبرد: طحت.. طحت قُدّام المدرسة، وما عاد يمديني أرجع أغير ملابسي.

نظر إلي بعينين قاسيتين، ثم قال آمرا: حط شنطتك، ورُح غيّر ملابسك وتعال بسرعة.

تنفست الصعداء وأنا أخرج من باب المدرسة، وأحدث نفسي: زال الكابوس.