في الربع الأول من هذا العام، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- بضمّ الدارسين على حسابهم الخاص إلى البعثات الدراسية، وصرف مكرمة ملكية سخيّة لكل السعوديين الدارسين في الخارج، وقد غرد وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى حينها شاكرا ومثمنا هذا القرار الملكي الكريم، كما أوضح وكيل وزارة التعليم والمشرف على الملحقيات الثقافية الدكتور جاسر الحربش، أن الملحقيات ستشرع في إجراءات ضم الدارسين على حسابهم الخاص، ممن تنطبق عليهم اللوائح والشروط للبعثة في أسرع وقت، وهذا ما حصل فعلا في غالب الحالات، لكن في الدول العربية، «مصر تحديدا» اكتفت الملحقية بصرف المكرمة الملكية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين للجميع، ولم يتم إلحاق الدارسين على حسابهم الخاص بالبعثة، وقيل لهم إن الدارسين في الدول العربية لا ينطبق عليهم هذا القرار الملكي، ولا تتحقق فيهم شروطه.

عدتُ لقراءة قائمة الشروط على موقع الوزارة عندما قررت الكتابة عن هذا الاستثناء الذي يعاني تبعاته عدد من شبابنا وبناتنا الطموحين الدارسين في جامعات عربية عريقة، وفي تخصصات نوعية كالهندسة والقانون والطب والتربية الخاصة.

الحقيقة أن الشروط المعلنة تحتاج إلى بعض التحديث والتكييف، لتتناسب مع احتياجات الدولة، ومع معدلات النمو في أرقام الشباب والشابات الراغبين في استكمال تعليمهم، على الشروط أن تهدف إلى التنظيم وليس الإقصاء، بمعنى أن نحسن إدارة الحالات، ويكون لكل حالة حل ممكن يخفف خسائر الطرفين، ويحمل مكاسب مشتركة لهما.

أحد الشروط الحالية ينص على ألا يكون المتقدم قد سبق له الانسحاب من الدراسة من أي برنامج دراسي داخل أو خارج المملكة.

استوقفني هذا الشرط، لأنه يحرم الإنسان من فرصة النجاح بعد الفشل، كل تنظيرنا وفلسفتنا المتعلقة بالاستثمار في البشر تهتز أمام شرط كهذا، لأننا نعلم كأكاديميين ومربين وباحثين، أن التعثر جزء من النمو، بل ونخبر أبناءنا أن الإنسان لا يفشل حتى يتوقف عن المحاولة، ويستسلم ويصبح عالة على نفسه ومجتمعه.

وهنا أقترح -وعلى سبيل المصلحة- وحفظ الحقوق أيضا، أن تدرس الوزارة إمكان استحداث نظام «الابتعاث المشروط» الذي يتضمن دفع الرسوم والمكافأة الشهرية للراغبين في الدراسة، أيا كانت حالتهم السابقة، مع توقيع المتقدم تعهدا يلزمه بردّ كل ما دفعته الدولة من أموال، في حال تعثر دراسيا مرة أخرى بسبب الإهمال والتقصير، علينا أن نتيح للبشر فرصة المحاولة مرة ثانية بشكل أفضل، والمصلحة في ذلك لنا، فهم خيرة أبناء هذا الوطن وبناته.

على الملحقيات أن تدرس الملفات بشكل فردي ينظر إلى روح القانون لا نصّه فقط، فالأسر السعودية المستقرة في دولة عربية لسبب قاهر، كمرافقة مريض أو عاجز، أو للبقاء مع الأم غير السعودية، لا ينبغي إخضاع أفرادها لشروط الابتعاث المنصوص عليها في موقع الوزارة، تختلف ظروف البشر ومعالجة كل الحالات بسياسة واحدة صعب جدا، إذا أردنا أن نحقق الأهداف التنموية في أهم رافد من روافد التنمية، وهو العنصر البشري.

يمكن كذلك رصد ملفات الدارسين في الدول العربية ممن تقدموا بطلبات الإلحاق بالبعثة، وطرح فكرة الانتقال إلى بلد آخر عليهم بعد التأكد من أسباب تفضيلهم للدراسة في بلد عربي. ظروف البشر متفاوتة وتقديم المشورة الأكاديمية لهؤلاء الطلاب يقلص المشكلات المستقبلية من تعثر وبطالة وغيرها.

معالي الوزير، لقد استمع السواد الأعظم من المجتمع إلى تصريحكم في برنامج «في الصورة»، والذي تحدثتم فيه عن عجز جامعاتنا عن استيعاب كل مخرجات الثانوية العامة، ومحدودية الخيارات المتاحة أمامهم في الوقت الحالي، لكني أتحدث هنا عن طلاب سعوا بالفعل إلى الخروج من دائرة العجز، واختاروا أن يبدؤوا الدراسة على حسابهم الخاص، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وجاء الأمر بالفعل لكنه استثناهم، ولم تشفع لهم مبادرتهم الشجاعة عند الوزارة، التي تطبق الشروط والأحكام على عدد بسيط، لا يكاد يقارن بعشرات الألوف من الدارسين حول العالم، الذين تم ضمهم للبعثة.

آمل أن يسع وقت معاليكم لفتح هذا الملف مرة أخرى، والنظر في حال هؤلاء الطلاب، والرد على تساؤلاتهم مع تقدير أوضاعهم المادية والأسرية، وطموحهم المتمثل حاليا في إكمال الدراسة، أو على الأقل لترد الوزارة عليهم خلال القنوات الرسمية بردود نهائية تخرجهم من دائرة انتظار ما لا يجيء، فاليأس إحدى الراحتين، كما يقول العرب.