كثيرا ما نسمع ونقرأ ويُتَداول أمامنا مفهوم الحرب النفسية وحرب الأفكار، ونجدها في أدبيات الإعلام والاجتماع والسياسة، وكثيرا ما يُستخدم هذا المفهوم وقت الأزمات والحروب، وتُستخدم أبرز أدواته المؤثرة والمتمثلة في وسائل الإعلام، إذ تقوم هذه الوسائل ببث مضامين ذات تأثير وإقناع في عقول الجماهير المحلية والعالمية، الهدف منها التأثير على الأفكار وتغيير السلوك والاتجاهات لدى الجماهير، عبر مراحل في الحملات الدعائية ابتداء من التشكيك في القناعات، مرورا بوضع البدائل، وانتهاء إلى تبني الآراء التي من أجلها بُنيت الرسالة الإعلامية، ولعلي أسوق هذا المثال ليتضح المقال.

فعندما أُغرقت سفينة الركاب الأميركية لوزيتانيا، سارعت الدعاية البريطانية إلى تحويل إعجاب الأميركان بألمانيا إلى كراهية وبُغض، مستغلة عدد القتلى من النساء والأطفال والجرحى، ولما استمرت القوات الألمانية في غزو واكتساح بلجيكا، تمكنت الدعاية البريطانية أيضا -وبحملات دعائية مكثفة- من تحويل اتجاهات الجماهير نحو ألمانيا، الدولة الأكثر طغيانا وإرهابا وهمجية في العالم، فكثرت المعلومات والأخبار التي تشوه السلوكيات والمواقف للجيوش الألمانية، وتعاملهم بقسوة مع أهل بلجيكا المدافعين عن أرضهم وبيوتهم.

أيضا، في الولايات المتحدة الأميركية تم إنشاء وكالتين للمشاركة في العمليات النفسية المؤيدة والمساندة للعمليات العسكرية في الحرب العالمية الثانية.

إحدى الوكالتين: «مكتب معلومات الحرب» الذي تولى مهمة السيطرة على الأوساط المحلية التي تعكس نشاطاتها في أميركا إلى الخارج عبر مؤسساتها كافة. هذا النشاط مهم وحيوي للتعريف ببرامج ومنهاج مؤسسات الدولة بجمهورها الداخلي والخارجي، مع تواصل هذا المكتب في حشد الرأي العام الأميركي لضمان مساندة خطط وبرامج الحكومة في توجهاتها داخليا وخارجيا، وبما يخدم المصالح الأميركية.

ما أود قوله في هذا المقال، إن الحملات الدعائية ضد المملكة، ومحاولة تجييش الرأي العام العالمي ضدها، هي حرب إعلامية بامتياز، أثبت السرد التاريخي استخدامها في كثير من الدول، وهي تُمارَس اليوم ضد المملكة.

فقد تجاوزت وظيفة الإعلام الحر الحياديةَ والموضوعية، إلى مرحلة التشوية وتحريف الحقائق والاستمرار في الكذب من مرتزقة يشهد تاريخهم المهني بذلك، فهم يطلق عليهم تجار الأزمات والدم، وبائعو الضمائر، فقد تاجروا بقضية فلسطين وسورية، وغيرها من قضايا الأمة من قبل، وما زالوا وهم الآن يحاولون النيل من المملكة، مستخدمين جيشا من المراسلين والمحررين، وباستخدام إستراتيجيات مختلفة في صناعة الخبر الكاذب، وتضخيم الحدث، واستعطاف الجماهير، والممكن وصفها بأن هناك مجموعة من الأشخاص الذين يعملون على منع وصول العامة بشكل مستقل إلى حدث ما، وإنما يعمدون إلى استخدام سلطاتهم لجعل عامة الناس ترى الأحداث من المنظور الذي يريد هؤلاء المرتزقة أن يروا الأمور خلاله، وبما يخدم قضية هذه المجموعة.

إن الأيام حبلى بأحداث ستكون صادمة لا محالة لهؤلاء المرتزقة، فسيعلمون أن إستراتيجية الخداع الذهني وشهود الزور، معركة خاسرة ولو بعد حين، في وقت أصبحت الجماهير واعية بما يُمكَر لها.