الجبهة الداخلية في المملكة العربية السعودية متماسكة ومتينة، ولا يمكن اختراقها، على الرغم من المحاولات المستميتة منذ أكثر من ثلاثين سنة، كمرحلة تالية لمراحل سياسية واجتماعية مرت بها المملكة، كان فيها التشغيب والتأليب كليهما. تسيَّد التشغيب فيها أهل اليسار والقومية، ثم تبعتها المرحلة التالية، فحاول الأعداء الظاهرون والمستترون الولوج إلى شرائح المجتمع السعودي ولم يستطيعوا ذلك، وإن كانوا قد أحرزوا بعض التقدم والنجاح مع كثير من المشتغلين بالإسلام السياسي، وبعض المتعاطفين معهم، غير أن يقظة رجال الأمن السعودي بصفة خاصة، والمواطن السعودي بصفة عامة، كانت بالمرصاد لكل تلك المحاولات، ولا يخفى على المتابع العادي ما قامت به المخابرات الإيرانية أو الليبية أو القطرية أو غيرها في أوقات سابقة، من محاولات عدة لإضعاف وتوهين التماسك الصلب بين الشعب والحكومة في السعودية، فضلا عن المحاولات المستمرة حتى الآن.

وبما أن الفرصة تفوت كل مرة على محاولة خلخلة الوضع المستقر في الداخل السعودي، فلا بد من طرق أبواب أخرى، فكان التحرك في المحيط السعودي الخارجي، والذي يحيط بالمملكة كالسوار بالمعصم، فوجدوا أن الضلع الأضعف في هذا السوار أو المحيط الإقليمي الإستراتيجي للمملكة هو: اليمن، ومن هنا أخذت الدول المستفيدة -إيران على وجه التحديد وحلفاؤها- تعمل على تعطيل دور المملكة الرائد والقائد في المنطقة، للعبور بنفسها أولا ثم معاونة دول المنطقة، للوصول إلى بر الأمان السياسي والاقتصادي، والرفاه المنشود لدول وشعوب المنطقة العربية برمتها.

عمد محور الخراب في الشرق الأوسط، والذي تتزعمه إيران، إلى إطالة أمد الحرب في اليمن، وإشغال السعودية ودول التحالف بهذه المشكلة، عبر عصابة لا تملك شيئا أصلا، وأتت من لا شيء، لتغنم كثيرا مما تحارب به الآن من أسلحة وعتاد، بعد سلسلة خيانات كثيرة في الداخل اليمني، وليأتيها المدد اللوجستي الكبير من دولة الملالي، وبعض الاستخبارات الدولية،

مع دعم سياسي معين، كل هذا لإضعاف دور المملكة الريادي الذي ذكرناه آنفا، أو للضغط عليها في سبيل توزيع بعض العقود والصفقات هنا أو هناك، حتى يلمع بعض سياسيي الدول الغربية صفحاتهم أمام شعوبهم الناقمة، ومع أن عهد الإرضاء بالمال السعودي قد انتهى إلى الأبد، بفضل سياسة الحزم السعودي التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وصرَّح بها ولي العهد الأمين

-حفظه الله- عدة مرات، إلا أن الأطماع ما زالت باقية وحية في قلوب وعقول من لم يستوعب بعد تعملق الدور الريادي السعودي سياسيا واقتصاديا، وفي القريب العاجل -بحول الله- عسكريا.

وأشير -قبل أن أكمل حديثي- إلى أن جمهورية إيران الحالية دولة مسخ، لا تؤمن أساسا بمبدأ ومفهوم الدولة القُطْرية -كحال الإسلام السياسي- ولها فكرها السياسي القائم على التعاطي مع النظام الدولي وقوانينه على أساس أنه أمر واقع مكرهة هي للتعامل معه لا أكثر، وإلا فهي دولة مهدوية تؤمن بالرجعة، وتؤمن بانتهاء هذا الشكل من النظام السياسي العالمي، وتلاشي كل هذه الدول لتخضع للولي الفقيه وكيل الغائب المنتظر، وهمَّها الأكبر حاليا هو إخفاء الدولة السعودية التي تقف لها بالمرصاد في كل شأن إسلامي تطمح دولة الملالي إلى التفرد به، وهذا دونه خرط القتاد في ظل القوة الهائلة للسعودية سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا.

ومنذ إعلان خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- انطلاق «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015، وحتى اليوم، تعمل كثير من الدول التي تريد الإضرار بالمملكة وإضعاف دورها، وكذلك المنظمات والجمعيات التي تقتات على آلام الشعوب، على تحقيق مآربها، فالتقارير الأممية ذكرت أن إيران تحولت إلى مصدر رئيس لشحنات الأسلحة المهربة التي تنتهي في أيدي الحوثيين، فضلا عن الدعم الاستخباراتي والتخطيط الإستراتيجي، وعندما أعلنت بعض المنظمات الصحية تفشي وباء الكوليرا، وقلبت الرأي العام العالمي على قوات التحالف، مصورة الواقع على غير حقيقته، صمتت تماما بعدما منحت السعودية عشرات الملايين من الدولارات لمعالجة الوضع، حتى بعد تفاقم الإصابات بداء الكوليرا، وعلى الرغم من أن العارفين ببواطن الأمور في اليمن ذكروا أن الأعداد التي وصل إليها المتضررون من المرض لم يتجاوزوا الحد الذي يصبح بعده المرض وباء، ويقولون إنه حينما تباكت تلك المنظمات كانت الأعداد قليلة جدا مقارنة بعدد السكان، وحينما تضاعف العدد كانت منظمات الإنسانية المزعومة في سبات عميق، لا لشيء إلا لأن المطلوب حصل وهو المال، وقس على ذلك من يتحدث عن الوضع الإنساني المتردي، وعن قتل الأطفال، ونسبة ذلك كله إلى قوات التحالف، مغفلين -عمدا- الكوارث الإنسانية التي يقوم بها الحوثيون، إذ حذر المسؤول الأول عن الصحة في الحديدة من حملة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان المدينة من الحوثيين، صارخا بالمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لإنقاذ المدينة من جرائم الإبادة التي ترتكبها ميليشيا الحوثي ضد المدنيين، وكشف مدير مكتب وزارة الصحة في محافظة الحديدة الدكتور علي الأهدل في حوار مع صحفي، أن هناك جرائم وتجاوزات واسعة في المجال الطبي يرتكبها الحوثيون، محذرا من أنها ستودي بحياة المئات، وأضاف أن الحوثيين ينفذون مجازر بحق المدنيين، ومع ذلك تنسب هذه الجرائم والمجاز التي يقترفها الحوثي إلى قوات التحالف.

وعلى كلٍ: فإن اليمن بعد هذه الحرب المنهكة المستنزفة له ولحلفائه، يجب أن يتجه إلى خيار السلم، وإعادة البناء والإعمار للإنسان اليمني قبل المكان والبنيان، وإنَّ من شأن رفع المستوى التعليمي والاقتصادي ورفع مستوى جودة الحياة في اليمن إلى المستوى الموازي له في دول الخليج، ولو بالحد الأدنى، سيخلق حالة من الاستقرار والأمان، ستعم المنطقة بالراحة والاطمئنان لمواصلة مسيرة التنمية الاقتصادية والاستثمارية.