يعتبر الارتقاء بالتعليم وجودته، مركز العمليات الوطني في إدارة مشروعنا التنموي المستهدف بجميع مقدراته وإمكاناته، وهو أحد أهم مرتكزات تحقيق التحول الوطني في برنامجه الإستراتيجي المستهدف، لكونه يشكل القاعدة الأساسية لمواردنا البشرية التي ستسهم مخرجاتها في بناء الوطن بمختلف قطاعاته ومجالاته، وبما يتضمنه ذلك من تنظيم إداري وهيكلي لمؤسساتنا الوطنية، خلال مختلف الدرجات الوظيفية والمهنية التي يقومون عليها ويتحملون مسؤولياتها.

وقد انطلق طرح النظام الجديد للجامعات كأحد البرامج الوطنية والمبادرات المختلفة التي تخدم تحقيق رؤية 2030 في إستراتيجيتها الطموحة، ورؤيتها القائمة على التخطيط المدروس والعمل المنظم الشامل والحوكمة، للنهوض بجميع مسارات التنمية الوطنية بقطاعاتها المختلفة للارتقاء بجودة الأداء الشامل المتكامل، وبتطوير هيكل الجامعات المؤسسي والإداري بما يتضمنه من سياسات وتشريعات وأنظمة، يمكن النهوض بأداء مواردها البشرية التي تشكل المرتكز الرئيس لتحقيق ذلك التحول الوطني المستهدف، وفق معايير واضحة ومؤشرات أداء يمكن قياسها لتقييم الأداء الفعلي وحوكمته والمساءلة عليه، وبما يمكننا من بناء السعودية الجديدة التي نُريد، في صورتها الحضارية التي تستحقها، ومكانتها الدولية التي نسعى إلى تحقيقها كنموذج تنموي مشرف.

وقد تضمن النظام الجديد للجامعات محاور رئيسة لتقويم واقع الجامعات القائم، بهدف تطوير أدائها بعد عقود من الرتابة والجمود في النظام، وما تخلل ذلك من اختلال مؤسسي في السياسات، وفوضى إدارية في جميع مكونات النظام بما يتيح الفساد والمحسوبية في التوظيف وفي التوجيه والمتابعة وفي جودة الأداء ونزاهة التقييم، وبما يحول دون إمكانية تحقيق المساءلة الشفافة بالمحاسبة والحوكمة لمسؤولي الجامعات، والذي أدى بدوره إلى نتيجة طبيعية هي: الضعف في المخرجات، كنتيجة للضعف في الكادر الأكاديمي والمؤسسي، وانعزال الجامعات عن كيانها المكاني في خدمة المجتمع الذي يحتضنها والذي يمثل أحد مسؤولياتها الرئيسة، سواء بالتفاعل مع كافة قضاياه المجتمعية خلال ما تقدمه من أبحاث ودراسات تهُم المجتمع، أو بالمساهمة في تطوير أفراده معرفيا، والسعي نحو تنمية مهاراته وقدراته والرفع من مستوى ثقافة المجتمع بصفة عامة، وبما يتضمن معالجة تحدياته المختلفة التي تشكل في مجموعها تحديات تنموية تشمل الوطن بأسره.

ويُعد «مجلس الأمناء» المنشأ في التنظيم الجديد للجامعات من أهم الكيانات الإدارية الجديدة لتنظيم وإدارة كل جامعة، فهو الأداة والمحرك المركزي والمنظم لكل جامعة في أدائها لجميع مسؤولياتها ونظامها الأكاديمي، ومن خلاله يتم وضع واعتماد اللوائح المالية والإدارية والأكاديمية للجامعة وفق قواعد عامة يضعها مجلس شؤون الجامعات، وبما يتوافق مع إمكانات الجامعة وتطلعاتها، وبما يسهم في التمايز والتنافس بين الجامعات، والمبني على مستوى جودة مخرجاتها ومدى تحقيقها لكافة مسؤولياتها المنوطة بها، وبما يتلاءم مع تحقيق رؤيتنا الإستراتيجية في تحقيق تنمية شاملة لجميع شرائح المجتمع في مختلف القطاعات والمناطق التي يحتويها الوطن.

ولعل من أهم بنود محتوى التنظيم الجديد للجامعات في جانبه المؤسسي والأكاديمي هو إلزام كل جامعة بالعمل على تحقيق متطلبات الاعتماد المؤسسي والاعتماد البرامجي للجامعة، من هيئة تقويم التعليم أو من قبل إحدى الهيئات الدولية التي تعتمدها الهيئة، بهدف الارتقاء بالجودة في مخرجات مؤسسات التعليم العالي، وذلك بعد تقييمها بنزاهة وفق معايير ومؤشرات أداء يضعها مجلس شؤون الجامعات بالتنسيق مع هيئة تقويم التعليم والجهات ذات العلاقة.

وانطلاقا من مبدأ الشفافية والمصداقية في الأداء والسعي نحو التميز الفعلي، لتحصيل الاعتمادين المؤسسي والبرامجي للجامعة، فإن ذلك يقتضي أن تتم عملية التقييم المستهدف من قبل هيئة تقويم التعليم أو غيرها من المؤسسات الدولية المعروفة، بسرية تامة ومفاجئة لكل جامعة بحيث يمكن الوقوف على واقع الأداء الفعلي ومستوى الجودة القائم، وفق المعايير المشار إليها من مجلس شؤون الجامعات وهيئة تقويم التعليم، وإلا فإن عملية التقييم ستكون مضللة وغير واقعية، لأنها تثبت واقعا وهميا وإنجازا مخادعا، قد تم الاستعداد له وترتيبه بين إدارة الجامعة ومنسوبيها -يحدث الآن-، للاستعداد لزيارة مسؤولي هيئة تقويم التعليم المعلوم تاريخها ومدتها، فتظهر الجامعة في مستوى جودة لا يمثلها، وبما يخولها للاعتماد المؤسسي وهي لا تستحقه، ألا يعُد ذلك اختراقا للمصداقية والنزاهة المستهدفة من النظام الجديد؟! وهل بتلك الإجراءات نتوقع جودة فعلية في الأداء المؤسسي والأكاديمي وتميزا في المخرجات؟!! وهل تستحق بذلك الجامعة الاعتماد المؤسسي والبرامجي؟؟!! أم إن ذلك يؤكد أن هناك ضعفا وخللا فعليا في النظام الجديد للجامعات، واختراقا لنزاهته في التطبيق قبل أن يصدر رسميا.

ومما يجدر التنويه إليه أن الخلل الواقع في الجامعات يبدأ من أعلى سلطة فيها، وإن تضمين مدير الجامعة كعضو ضمن «مجلس الأمناء» سيُخلّ حتما بشفافية الأداء والمصداقية للمجلس في أدائه المستهدف، لأن مدير الجامعة له مكانته وسلطاته الواسعة داخل الجامعة، وعليه كيف يمكن «لمجلس الأمناء» الرفع بتقارير لمجلس شؤون الجامعات بأمور تتعلق بجوانب خلل في الجامعة، أو يتيح الكشف عن مواطن فساد وغيره، وكيف «لمجلس الأمناء» أن يؤدي مهمته بنزاهة تخدم الإستراتيجية الوطنية، وهو يحتوي بين أعضائه مدير الجامعة الذي يختار بدوره ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس من جامعته كأعضاء في المجلس، وذلك ضمن ستة آخرين تختارهم الجامعة كذلك؟؟!!

من جهة أخرى، فإن تحقيق الاستقلالية للجامعات -كما تضمنه النظام الجديد- والخروج من الإجراءات البيروقراطية القائمة بحكم لوائح نظام مجلس التعليم العالي القديمة، يقتضي تحقيق النزاهة والمصداقية بداية، في مجمل الهيكل المؤسسي والإداري للجامعة وفق معايير تحكمها مؤشرات للتقييم الشفاف المفيد لتطوير الأداء الجامعي وتحسين مخرجاته، وأن يتم ذلك من خارج نطاق الجامعة تماما وبصورة مفاجئة تلتزم بالمهنية والمصداقية، ويمكن خلالها كشف الواقع الفعلي للأداء المؤسسي بكامل مضمونه، ولا يكون بالتنسيق بين إدارة الجامعة وهيئة تقويم التعليم عن الفترة والزمن الذي يجري فيه التقويم للجامعة، لأن ذلك سيقضي على مصداقية العملية برمتها، ويشكك فعليا في استحقاق الاعتماد المؤسسي والبرامجي للجامعات، ويلغي أهمية النظام الجديد للجامعات... فهل من مراجعة ومتابعة وتقويم للنظام الجديد ذاته؟!!