عائض آل جارالله



قصص النجاح دائما ما تبدأ برؤية، وملامح الرؤى الجيدة هي ما تبنى وترتكز على مكامن القوة ووضوح المفاهيم. لنعود قليلا إلى الوراء ونطرح هذا التساؤل الذي يزعجنا كثيرا كسعوديين، ماذا بعد حقبة النفط؟ هل نبقى مكتوفي الأيدي ونبني طموحاتنا على البترول بشكل منفرد؟ الإجابة كانت في عام 2016 حيث تم إطلاق رؤية الحاضر للمستقبل، لتبديد هذه المخاوف ورسم خارطة الطريق نحو اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح. «رؤية السعودية 2030» التي أقرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة عرّابها ورئيسها سمو الأمير محمد بن سلمان والتي تلقاها المجتمع السعودي بكل حماسة وشغف، نحو مستقبل مزدهر وسعودية جديدة. بنيت هذه الرؤية على أن مُقدرات هذا الوطن أثمن من الاعتماد والاكتفاء بحقبة البترول. على سبيل المثال لا الحصر، ركزت هذه الرؤية على أهمية تواجد أطهر البقاع على وجه الأرض، جغرافية المملكة بين القارات الثلاث وأهم المضايق المائية، وفرة بدائل الطاقة والثروات المعدنية المختلفة، وأخيرا وليس آخرا الطاقة الشبابية الهائلة التي تنتظر رهن الإشارة والاستغلال الأمثل لها.

من جانب آخر، ركزت هذه الرؤية على أهمية تطبيق ما تم رسمه من رؤى على أرض الواقع، من خلال إطلاق العديد من البرامج التي بدأ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتأسيسها، مثل مكتب إدارة المشاريع «PMO» الذي يراه سمو الأمير محمد بن سلمان أحد أهم العوامل المساعدة في متابعة وتحقيق البرامج الحكومية المختلفة، وزيادة الشفافية حول الإنفاق الحكومي والإستراتيجيات المعدة. لذلك ما مكتب إدارة المشاريع «PMO»؟ وما مهامه؟

مكتب إدارة المشاريع «PMO»: هو حلقة الوصل المفقودة فيما بين الإدارة المركزية والجهة المنفذة أو المشغلة. هو كذلك الجهة الاستشارية والمرجعية المناسبة التي تضم العديد من الخبراء في مختلف المجالات. هو أيضا أداة فعالة لتحقيق أفضل الممارسات في إدارة المشاريع، والذي يفترض أن يكون محركا أساسيا لها، وكذلك معالجة وتقديم الحلول المناسبة في كيفية تطبيقها. مفهوم «PMO» هو عامل رئيسي في ربط الشتات الإداري، وتوحيد السياسات والتنظيمات الإدارية، تحقيق أفضل الممارسات والإستراتيجيات، العمل ككيان يسعى لتحقيق أهداف محددة تساعد على نضج منظومة العمل. لا غرابة أن اهتمام مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في تأسيس مفهوم «PMO» سوف يكون محركا رئيسيا وقلبا نابضا للرؤية السعودية، ومفتاحا أساسيا ومدخلا رئيسيا للخصخصة. طبيعة عمل «PMO» سوف تساعد على زيادة الشفافية المطلوبة فيما بين المواطن والجهة المسؤولة أو المرجعية. لذلك هو مطلب مُلح في حوكمة أوجه العمل المختلفة واتخاذ قرارات مناسبة بشكل جماعي وأكثر احترافية.

مهام مكتب إدارة المشاريع «PMO»: من خلال إجراء دراسة استطلاعية شارك فيها 340 شخصا يعملون في «PMO»، سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة، اتضح أن ما يقارب 72%ليس لديهم معرفة كافية بمفاهيم ومهام هذا المفهوم. هذا يعطي انطباعا غير جيد بأن الكثيرين ممن يعملون في هذه المنظومة لم يتم إعدادهم بشكل مناسب. آلية عمل المكتب ترتبط مباشرة مع أصحاب القرار في أي منظومة ومهام فريق عمل المكتب ترتكز على الإشراف، والمتابعة، وتنظيم إدارة المشاريع وتقديم الدعم العاجل لها وفقا للمصلحة العامة للمنظومة. أيضا ربط الممارسات المحلية مع الممارسات العالمية تعد من أهم مهام «PMO»، وذلك بهدف زيادة المعرفة، تأهيل الكوادر البشرية، توفير برامج التدريب والتطوير المستمر، وذلك بغرض زيادة نضج المؤسسة وتحقيق معدلات نجاح عالية وخفض أوجه الإنفاق المختلفة. لذلك من المهم تواجد بيئة خصبة لتأسيس مكتب إدارة المشاريع في العديد من الجهات الحكومية من حيث توفير وسائل الدعم، إعطاء الصلاحيات، تقديم الميزانيات، تأهيل الكوادر واستقطاب النماذج العالمية وربطها بمكتب إدارة المشاريع الرئيسي في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. هذا سوف يسهم في تحقيق منهجيات وسياسات موحدة للتنظيمات الإدارية والأعمال المختلفة، والتغلب على عوامل الفشل والصعوبات التي تواجه متابعة وتنفيذ المشاريع. أخيرا، «PMO» أنواع ومستويات كثيرة، ولكن الاختيار الأمثل منها بما يتناسب مع إمكانات وقدرات المنظمة هو من يحقق أهداف هذا المفهوم وزيادة انتشاره.