احتفل المجتمع الدولي الأحد الماضي الموافق 25 نوفمبر باليوم العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، الذي يمثل أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في عالم اليوم، ويأتي الاحتفال هذا عام 2018 تحت شعار «لنجعل العالم برتقاليا: اتحدوا لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات». علما بأنه ستقام حملة عالمية -تقام سنويا منذ عام 1991-، بدءا من يوم الأحد 25/‏ 11 وتجري فعالياتها وحتى 10/‏12 من كل عام، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وقد تم اختيار تلك الأيام في محاولة منها للتأكيد على أهمية ربط قضايا حقوق المرأة بقضايا حقوق الإنسان، واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الأساسية. إن صور العنف ضد المرأة عموما كثيرة ومتعددة، فهناك العنف الجسدي، والعنف اللفظي، والعنف النفسي الذي يتمثل في التهديد، والعنف الثقافي الذي يتمثل في العادات والتقاليد الناتجة عن التمييز ضدها وغيرها من أنواع العنف، إلا أنني أردت اليوم الإشارة إلى أقل أنواع العنف ملاحظة وأكثرها تأثيرا، ألا وهو عنف المرأة للمرأة، أو عنف الأنثى للأنثى، وهنا قد يسأل أحدهم أن العنف المسيطر في العالم والمعروف اليوم عند الجميع هو عنف الذكر للأنثى، وليس عنف الأنثى للأنثى؟! في الواقع يمكن تقسيم العنف ضد المرأة إلى قسمين الأول: العنف السافر، والثاني: العنف المستور، أما العنف السافر فهو العنف الظاهر والمفضوح من الذكر نحو الأنثى، وهو نوع يمكن معاينته وكشفه وإيقافه وإيقاع العقاب على مرتكبه. ولكن العنف المستور هو مستور، أي هنالك تواطؤ على ستره، وهو عنف المجتمع بشكله الذكري والأنثوي ضد الأنثى. ومجتمعاتنا العربية للأسف يمارس فيها هذا النوع من العنف المستور، والذي يظهر على السطح في إطار ثقافة ذكورية مهيمنة لها امتدادها التاريخي، قبلت فيه المرأة وضعها المعنف، وبدل أن تقاومه، أصبحت تمارسه على بنات جلدتها نيابة عن الذكر وبمباركة منه. وتبدأ ممارسة هذا النوع من العنف من الأم ضد ابنتها، ليس كرها لها، وإنما تطبيق للعقلية الذكورية التي تشربتها وترعرعت عليها، فهي بذلك تربيها وتعدها لتكون تابعة وخانعة لزوجها ليس لها رأي، وهذا بالطبع لا يتم إلا خلال عملية تربوية ممنهجة لسحق شخصيتها الفردانية وتحويلها من إنسانة عليها كامل الواجبات ولها كامل الحقوق، إلى مجرد رقم في البيت، عليها كامل الواجبات، وليس لها من الحقوق شيء يذكر، سوى أن تبذل قصارى جهدها لخدمة «سي سيد». وهنا تكون الكارثة أي عندما يصبح الضحية جلادا، فعندما تكبر الطفلة وتتزوج وتنجب نجدها تمارس دورها التسلطي ضد أطفالها وزوجات أبنائها، بالضبط كما مورس عليها في صغرها من قبل أمها، وتستنسخ الأمهات بصور كربونية على قاعدة ذكورية تظهر على صورة مثل عنصري من قبيل «والله إنك بنت رجال»، ولعل عمليات المبالغة والإفراط، ولا أقول الانضباط، التي تمارس على الطالبات في الجامعات من قبيل فرض لون التنانير ولون البنطال في تعاميم كليات البنات هو شاهد حي على ما نقول، وهنا نجد أن دور قتل شخصية الفتاة، تقوم به النظير الأنثى، نيابة عن السيد الذكر، تفانيا منها للحفاظ على ثقافته الذكورية. حتى تتغير نظرتنا للمرأة لا بد أن تتغير ثقافتنا، خاصة المؤسسية، وبلا ذلك تظل المرأة معنفة.