حقيقة من الصعب اختصار ما يقال في هذا الصدد، لكن سنحاول بشكل مقتضب إثارة ما يؤرق موظفي القطاع الخاص، ويؤثر على إنتاجيتهم، وتطورهم، وإبداعهم، ومشاركتهم في اقتصاد وطنهم، ويأتي في رأس الهرم ما أُسميه شخصيا «السعودة الرقمية»، بحيث إن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تفرض نسبة توطين على المنشآت، ونتيجة لذلك تعمد المؤسسات، والشركات لاستقطاب العدد المطلوب من السعوديين، لهدف ضمان بقاء عمل المنشأة دون معوق نظامي، فيتم توظيف ما يحقق النسبة المستهدفة كيفما اتفق، كون الأمر محسوما مسبقا، بأن الاعتماد سوف يظل على الوافد، والمحصلة بقاء السعودي في الظل، وتهميش دوره، فلا تدريب، ولا تمكين، ولا يُعطى ثقة في مجال يتخصص فيه ويبدع.

ويأتي بعد مسألة التهميش، الراتب الذي لا يفي بأساسيات الحياة، فالأغلبية رواتبهم لا تربو على ثلاثة آلاف ريال، الأمر الذي يستدعي وضع حد أدنى يحقق العيش الكريم للمواطن وأسرته، ويشعره بالطمأنينة على مستقبله، ويبعده عن ضغوطات الديون والعوز، التي تشغله بنفسه عن شغله الأساسي، ومن المطالب التي طال الحديث عنها، ساعات العمل الطويلة، وإجازة اليوم الواحد، وهذا واقع لا يراعي ظروف المواطن السعودي، وعلاقاته الأسرية، ومناسباته المتكررة، ولا يحفزه على الاستمرار في القطاع الخاص.

ومما يجدر التنبيه إليه مسألة الأمان الوظيفي، الذي يخيف الموظف، خاصة من لديه أسرة، ومسؤوليات، والتزامات مادية، قطعا تعرضه لفقدان مصدر رزقه، يدخله في نفق مظلم، لا يعرف نهايته، لا سيما وقد تردد في الآونة الأخيرة، فقدان بعض العاملين في الشركات لوظائفهم، والحق أن عدد السعوديين مقارنة بالوافدين قليل، لذا يفترض عدم فصل أي سعودي إلا بعد تقديم مبررات مقنعة لوزارة العمل، ومن الإشكالات التي تواجه الموظف السعودي تسلط الوافدين، بدافع محاولة البقاء لأطول مدة ممكنة، وهذا يترتب عليه عدم منح السعودي فرصة إثبات وجود، والسبب الرئيس في هذه المشكلة أن السعودة لا تستهدف رأس الهرم، بل هي دائما في الطبقة الدونية.

ولا ننسى ظاهرة التستر التجاري، الذي يؤثر بصورة سلبية على السعودي الذي يود اختيار العمل الحر مصدرا لدخله، فضلا عن سلبياته الاقتصادية، المتمثلة في التحويلات المالية للخارج، وزد على ما سلف أن البعض يشتكي من أن الفرص المتاحة لا تناسب مؤهلات طالبي العمل، والبعض الآخر يتذمر من عدم تفاعل جهة عمله مع الأوامر الملكية الهادفة لتخفيف الأعباء الاقتصادية ونحوها، كبدل غلاء المعيشة، ومكرمة راتب شهرين، وتمديد إجازة العيد.

في نهاية المطاف، نحن بحاجة لتثقيف أرباب الأعمال، بضرورة تغيير النهج المتبع في توظيف الشاب السعودي، بحيث يكون فاعلا ومؤثرا، وإقناعهم بأن السعودي قادر على العطاء، والتقدم، والإبداع، وليس مجرد رقم يخدم السعودة وحسب، والأهم أن نركز على ما يناسب طبيعة مجتمعنا، وبيئتنا، وظروفنا، بمعني أن نصنع الحلول داخليا، ولا نستوردها، كي لا نقع في مأزق التقليد الأعمى، ونتذكر دائما أن البناء الحقيقي لا يكون إلا بسواعد أبناء الوطن المخلصين.