راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، ومساعد الأمين العام في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مجلس الأمناء فيه، وعضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، والأخيران -كما هو معلوم- مصنفان إرهابيا في عدة دول.

الغنوشي الذي عاد إلى بلده بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي -الذي انطلق في أول أمره من تونس- بعد 21 عاما من النفي، يحمل في مسيرته كَمّا هائلا من التناقضات، والتلاعب الذي لا يمكن استيعابه أو إدراكه، وهذا هو ديدن السياسيين الممتطين ظهر الدين، وغالب المشتغلين بالسياسة خارج إطار الحكم، وبعيدا عن كرسيه، لا ينفكون عن المخادعة والمخاتلة للوصول إلى أغراضهم، حتى أولئك الحكَّام الذين جاؤوا إلى الحكم بشكل مؤقت، عبر دورة حكم أو دورتين، لا تزيد على 8 سنوات، تجد منهم اللّف والدوران والمخادعة. فالسياسة لعبة قذرة على كل الأصعدة، ما لم تكن حكما رشيدا، مستقرا، ثابتا.

وعودة إلى الغنوشي، فقد تخرج في جامعة الزيتونة بتخصص أصول الدين في أوائل الستينات الميلادية، درَّس بعدها سنتين في تونس، ثم انتقل عام 1964 إلى القاهرة لدراسة الزراعة في جامعة القاهرة.

الغنوشي «الناصري» وقتها، كانت القاهرة حلمه، حيث جمال عبدالناصر والمد القومي والعروبي الذي كان يهيم بها، ولخلافات سياسية معينة، قامت تونس بإبعاد الطلاب التوانسة من مصر، فانتقل الغنوشي إلى دمشق بمنحة دراسية من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، أنهى دراسته في دمشق عام 1968، وقبلها بدأ يتلمس الطريق إلى الإخوان المسلمين، عبر كتابات سيد قطب، وأبي الأعلى المودودي، ثم انتقل إلى دراسة الفرنسية في جامعة السوربون، فانضم هناك إلى جماعة التبليغ، ونشط في الدعوة الوعظية، وعاد الغنوشي ليمارس مهنة التدريس في المدارس التونسية، وفي عام 1972 أسس -مع عبدالفتاح مورو وآخرين- الجماعة الإسلامية، الوجه التونسي لجماعة الإخوان المسلمين. استمرت مسيرة الغنوشي المغموسة بالمتناقضات التي لا يفعلها إلا طلاب السلطة، حتى حُكم عليه بالسجن عام 1981 لـ11 عاما، قضى منها 3 سنوات حتى 1984، إذ خرج في إطار عفو عام، ولكنه عاد ثانية للنشاط السياسي، فحُكم عليه بالأعمال الشاقة والسجن المؤبد في 1987، وهذا الحكم لم يكن مُرضيا للحبيب بورقيبة الذي قدم طلبا لرفع الحكم إلى عقوبة الإعدام، ولكن لم يتم تنفيذ الحكم، بسبب انقلاب الرئيس زين العابدين بن علي في نوفمبر 1987، والذي أمر بإطلاق الغنوشي في 1988، وبعدها غادر الغنوشي تونس إلى الجزائر، فالسودان، ثم حصل على اللجوء السياسي في بريطانيا عام 1993، بعدها تمت محاكمته غيابيّا عام 1991، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ثم تمت محاكمته غيابيا مرة أخرى عام 1998، وحكم عليه بالحكم ذاته، وذلك بسبب اتهامات بتورطه في أعمال إرهابية، كاتهامه بحرق عدة مراكز تعليمية، وخطف مسؤولين.

أستدعي معكم سيرة الغنوشي، على خلفية التهديدات التي كشف عنها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أنه تلقاها من حركة النهضة التونسية، بسبب لقائه مع هيئة الدفاع عن المعارضَين: شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، اللذين تم اغتيالهما من الحركة.

وبحسب بيان الرئاسة التونسية، فقد بُحث خلال ذلك الاجتماع ما ورد من معطيات قدمتها لجنة الدفاع عن المعارضين، بشأن ضلوع الحركة في اغتيالهما، الأمر الذي أثار حفيظة الحركة، وقال الرئيس التونسي، إنه «حين تطلب منا جهات النظر في ملف ما لا يمكننا التعتيم عليه، ومؤخرا، هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي قامت بزيارتي، وأنا أقبل زيارة الجميع، وهذا الموضوع أثار حساسية لدى حركة النهضة»،

وأضاف «إن هذه اللجنة جاءتني وقابلتها، وأتوا لي بمجلّد يحتوي على هذه الوثائق، فكيف نغمض أعيننا عنها»، وتابع «المسألة مفضوحة والعالم كله تحدث عن الجهاز السري الذي لم يعد سريّا، لكن يبدو أنه أثار حفيظة النهضة، وأصدرت بيانا يتضمن تهديدا لي، وأنا لا أسمح بهذا».

وترجع قضية اغتيال عضوي «الجبهة الشعبية»: شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إلى 2013، واللذين قُتلا خلال حكم حركة النهضة الإسلامية، لمعارضتهما المزعجة للحركة ورئيسها وحكومتها.

وقد اُغتيل المحامي بلعيد «48 عاما» وهو معارض يساري شرس لحزب النهضة، بالرصاص في 6 فبراير 2013 أمام منزله في العاصمة التونسية، وهو الأمر الذي شكّل صدمة لدى التونسيين، وخلق حينها أزمة سياسية حادة استقال في خضمّها رئيس الوزراء حمادي الجبالي «حركة النهضة» من منصبه.

أما النائب المعارض محمد البراهمي، وهو قومي عربي، فقد اُغتِيل في 25 يوليو 2013، وتبنى عملتي الاغتيال جهاديون على صلة بتنظيم «الدولة الإسلامية».

من جهتها، أكدت السلطات التونسية «حركة النهضة حينها» في بداية 2014، أنها قتلت القاتل المفترض كمال القضقاضي، ومنذ عملية الاغتيال يشير أقارب بلعيد إلى «مناطق ظل» و«إرادة سياسية» و«ضغوط» لعدم كشف «الحقيقة» بشأن مدبري الاغتيال.

وتؤكد مجموعة الوثائق التي قدمتها الهيئة في المؤتمر، أن مصطفى بن خضر، لعب دورا في جمع معلومات ذات طابع استخباراتي عبر «تنظيم خاص» و«سرّي». وهذا «الجهاز الموازي» يسعى إلى اختراق المؤسسة العسكرية والأمنية، وأيضا جمع معلومات حول بعض الصحفيين، وله ارتباطات بتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور، إضافة إلى علاقات خارجية.

ويشير تقرير الهيئة إلى أن من أدوار هذا «الجهاز الخاص»، بناء منظومة أمنية موازية واستقطاب القضاة وتتبع العسكريين، إضافة إلى التعاون مع «الإخوان المسلمون» المصرية، والحصول على معلومات عن المؤسسة العسكرية الجزائرية، وشركة غازها، ومحاولة اختراق سفارة الولايات المتحدة بهدف التجسس.

وتحفظت الهيئة عن مصدر هذه الوثائق، لكنها أكدت أنه تم العثور في ديسمبر 2013 على مجموعة وثائق في المكان الذي يسكنه خضر آنذاك.

وأشارت إلى أن جزءا من هذه الوثائق موجود فيما وصفته بغرفة سوداء في وزارة الداخلية، داعية إلى فتح هذه الغرفة وتمكينها من الاطلاع على ما أودع فيها.

وقالت الهيئة: إنها حصلت على وثائق تثبت أن أحد الأجهزة التي كان يستخدمها التنظيم السري للحرق، صنعه عبدالعزيز الدغزني صهر راشد الغنوشي، وتابعت، إن «حركة النهضة وعلى رأسها الغنوشي، ضحت بمصطفى خذر «من قالت الهيئة إنه يرأس الجهاز السري للإخوان»، لإخفاء هوية صهر الغنوشي الذي كان مسؤولا عن إدارة التنظيم، ولإخفاء هوية رضا الباروني المسؤول الإداري والمالي للنهضة في حينه، وهو اليوم مسؤول عن التعبئة بالحركة».

كذلك أشارت الهيئة إلى أن «أحد أعوان الأمن الذين قاموا بحجز تجهيزات الجهاز السري، أكد في شهادة رسمية أمام القضاء، اكتشاف مخطط من الجهاز السري لعام 2013، لاغتيال السبسي عندما كان رئيسا لحزب نداء تونس، واغتيال الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، خلال إحدى زياراته لتونس».

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف غطت وسائل الإخوان الشيطانية هذه القضية؟