تحرص كل دولة على وضع إستراتيجية لتنمية المجتمعات المحلية من خلال استهدافها المدن والمناطق التابعة لها، بحيث تكون تلك الإستراتيجية ذات رؤية شمولية وأهداف يمكن قياسها، سواء على المستوى القصير أو المستوى الطويل، ويكون أحد أهم الأهداف الإستراتيجية هو محاربة الفقر والبطالة، ولعل خبراء التخطيط يدركون تلك المسألة، ولكن في وقتنا الراهن يجب أن يكون التخطيط التنموي للمناطق والمدن ومحاربة الفقر والبطالة يتمحور حول الإنسان، لأنه هو الهدف الأساسي لنمو أي مجتمع، خاصة في المناطق البعيدة عن المركز، وأقصد بالمركز هنا تلك المدن المتوافرة فيها البنية التحتية المتكاملة والبيئة المحفزة التي تسهم في نوع من الابتكار من أجل الإنتاج والاستدامة، فعلى سبيل المثال في القرن التاسع عشر كانت اليابان تعاني الفقر والبطالة حتى جاء عهد الإمبراطور ميجي أو المستنير الذي رفع شعار (فوكو كو كيوهي) Fukohu kyoheiu)، ويعني (دولة غنية وجيشا قويا)، ولتطبيق هذا الشعار بمدلولاته وبشكل عملي وضعت الحكومة ثلاثة أهداف رئيسية هي، أولا: التصنيع (التحديث الاقتصادي)، ثانيا: التحديث السياسي، ثالثا: التوسع الخارجي (التحديث العسكري) كمرحلة أولية، وما يهمنا هنا في هذه الأهداف الإستراتيجية هو التحديث الاقتصادي الذي يسهم بشكل أساسي في تنمية المجتمعات وتطوير الإنسان، من خلال تغير في أنماط سلوكه ومحاربة الفقر بأيدي الفقراء وليس بسياسات الإدارية، ومن أجل ذلك عملت الحكومة اليابانية في عهد الإمبراطور ميجي على تشجيع القطاع الخاص لإقامة صناعات داخلية واستبعاد المنافسين الأجانب، وهذه السياسة قد عرفت باسم (يونيو بواتسو) ( yunyn boatus) أي إحلال الواردات، وبفضل المساعدات الرسمية من الحكومة قد شهدت ميلاد العديد من جماعات رجال الإعمال وأصحاب المشروعات التي بقيت مزدهرة حتى وقتنا الحاضر، وأصبحت تحظى بمكانة مهمة في الاقتصاد الياباني، ويتمثل في قدرتها على دعم النمو الاقتصادي وإحداث تغيرات في المناخ التجاري والتسويقي بسب مرونتها، وقد بينت الإحصاءات أنه فقط بين عام 1984 و1996، أسهمت المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تغطية احتياجات المؤسسات الكبرى بنسبة 72% من المستلزمات الصناعية، أما في 2017 فقد تجاوزت النسبة 95%، كما أن التحليلات الاقتصادية والاجتماعية للتجارب العالمية تشير إلى أن الدول الآسيوية بشكل عام واليابان بشكل خاص قد حققت إنجازات هائلة خلال العقدين الأخيرين، وتحولت من قوى استهلاكية إلى قوى إنتاجية خلاقة باللجوء إلى المنتج الصغير والمشروعات الصغيرة التي تتلاءم مع الزيادة السكانية، وبذلك نستطيع أن نقول إن إستراتيجية تنمية المناطق والمدن تنطلق من ثلاثة مرتكزات أساسية تبدأ من خلال بناء القدرات، والتي تسهم بشكل أساسي بتأهيل الإنسان، ويكون هذا التأهيل من خلال التحفيز والابتكار، وأن يشعر الفرد بأن جزءا من مسؤوليته هو النهوض بالمجتمع والمدينة والمنطقة التي يقطنها، وأنه يشكل أحد معالمهما وسفرائها، وذلك من خلال برامج متنوعة. ثانيا: تمكين المجتمع المحلي وبناء الشراكات وإيجاد آليات للتواصل مع المؤسسات والهيئات المحلية والمؤسسات المانحة العاملة في تلك المناطق. وكذلك تحسين دخل الأسر من خلال تنفيذ مشروع أو مشاريع إنتاجية لصالح المجتمع المحلي، وذلك بتوفير نافذة تمويلية للمشاريع الفردية الصغيرة لذوي الدخل والتركيز على المشاريع التي تمتاز بها كل منطقة، فعلى سبيل المثال تلك المناطق التي ترتكز فيها صناعة تعتمد على الأيدي الحرفية مثل صناعة النسيج يتم الاعتناء بها ودعمها، ويتم تسويقها من خلال الدعم إلى المناطق الأخرى أو إلى الخارج، أما المرتكز الأخير فهو ما يسمى بالاستدامة التطويرية، وهي تعني ديمومة المشاريع من خلال تطويرية واستخدام الابتكار الاجتماعي وطرح الأفكار الريادية التطويرية في المجتمع، وبناء حاضنة أفكار تسهم في التطوير، ومن بين أهم المهارات لبناء الفكر الريادي الاجتماعي هو كيفية صناعة الفكرة النابعة من احتياج مجتمعي أو تلك الفكرة التي تتنبأ باحتياج قادم أو تحدٍّ قادم، وهنا يكمن دور المؤسسات المانحة في القطاع الثالث، وأيضا وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لبناء برامج ودورات تخصصية ومشاريع نوعية يشارك بها أبناء المناطق والمدن التي تحتاج إلى تطوير ومواكبة تنموية، ويكون المجتمع وذوو الدخل المنخفض يسهمون هم في حل مشكلته، عندما يتمكن من الأدوات اللازمة من الجهات والمنظمات المسؤولة، ولا ينتظر حلولا مؤقتة ويعتاد على ذلـك.