منذ قدوم الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» للبيت الأبيض وهناك جدل واسع داخل أميركا وخارجها حول الكيفية التي يدير بها هذا الرئيس، غير التقليدي، مهامه كرئيس دولة عرفت بنظامها الصارم في فصل السلطات والتوازن بينها، بحيث لا تتغلب إحداها على الأخرى، وهو جدل يجعلنا أكثر حرصا على محاولة العودة للأسس الدستورية التي وضعها مؤسسو الولايات المتحدة لفهم الحدود القانونية والعملية لصلاحيات الرجل الذي بإمكانه أن يبسط السلم العالمي أو يفجر أزمات لا تحمد عقباها.

يعتقد كثيرون أن الشأن الدولي ودور أميركا في العالم هو المكون الأهم الذي يشغل ويشتغل به الرئيس الأميركي، في حين يتضح للمتابع أن الرئيس وكامل طاقمه يعملون بشكل رئيسي على تلبية تطلعات الداخل، وإن كانت القضية دولية، كما هو الشأن مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يجد تعاطفا داخليا مع الدولة اليهودية، أو بقضية الهجرة التي تؤثر سلبا أو إيجابا على الاقتصاد والأمن المحليين.

ولنفهم السلطات الحقيقية التي يتمتع بها الرئيس علينا العودة لما حدده له الدستور الأميركي الصادر على 1787، والذي قسم تلك الصلاحيات لقسمين رئيسيين هما حدود عمله داخليا، ومجالات حرية حركته في السياسة الخارجية.

فباعتباره المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية للبلاد، فإنه يملك الصلاحية في التصرف كالمرجع الأول للأوامر العسكرية، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة، والآمر الناهي لكل المجهودات الحربية، إلى جانب أنه صاحب الصلاحية في الدعوة للتعبئة العامة من أجل الدفاع عن الوطن وحدوده المختلفة، بالإضافة إلى سلطاته الواسعة في إعلان حالة الطوارئ على المستوى المحلي والفيدرالي، واستدعاء الحرس الوطني لبسط النظام الداخلي في حال حدثت اضطرابات أو أعمال شعب، كما حدث في الخمسينات والستينات عندما أمر الرئيسان أيزنهاور وكيندي بتدخل الحرس الوطني.

كما لديه الصلاحية في إرسال القوات العسكرية في مهمات قتالية أو دفاعية خارج البلاد شريطة ألا تتجاوز مدة المهمة ثلاثين يوما، فإن تطلب الأمر تمديدا فعليه أن يحصل على موافقة الكونجرس، علما أنه وعلى الرغم من صلاحياته العسكرية الواسعة -كما أشرنا- إلا أن الرئيس لا يملك أي صلاحية لإعلان حالة الحرب، بل لديه الصلاحية فقط في دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد وإلى التصويت للموافقة على ذلك، كما حدث مع الرئيس «فرانكلين روزفلت» عام 1941، والذي أدخل من خلالها أميركا في الحرب العالمية الثانية.

للرئيس صلاحيات واسعة كذلك في تعيين طاقم إدارته في البيت الأبيض ومستشاريه، إلا أن تعيين الوزراء وكبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم القضاة الفيدراليون، يتطلب موافقة مجلس الشيوخ على ترشيحاته، إلا أنها قليلة هي الحالات التي يتم فيها رفض اعتماد مرشح، على الرغم من أن مجلس الشيوخ هو صاحب الصلاحية في اعتماد ترشيح الرئيس.

في علاقة الرئيس بالكونجرس يملك الرئيس حق النقض «الفيتو»، والذي بموجبه يستطيع الاعتراض على القوانين الصادرة باستثناء التعديلات الصادرة عن المحكمة الدستورية، إلا أن الكونجرس بإمكانه أن يتجاوز فيتو الرئيس إن صوت بأغلبية الثلثين في مجلس الكونجرس، النواب والشيوخ، برفض الاعتراض.

للرئيس حق منح العفو ووقف تنفيذ الأحكام على المدانين بحكم قضائي باستثناء أحكام الإقالة الصادرة من المحاكم، كما حدث مؤخرا حينما عفا الرئيس ترمب عن قائد الشرطة السابق في ولاية أريزونا «جو أربايو»، والذي أدين في المحكمة بما وصف بالإفراط في التمييز العرقي ومطاردة المهاجرين.

كما يتمتع الرئيس بصلاحيات على مستوى السياسة الخارجية، والتي تتمثل في عقد المعاهدات الدولية مع الدول شريطة التشاور وموافقة مجلس الشيوخ، إلى جانب صلاحياته الواسعة في تعيين السفراء وممثلي البلاد في الملتقيات والمؤتمرات والمنظمات الدولية دون الحاجة لمصادقة أي جهاز تشريعي.