يقول الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي «إذا كنا لا نؤمن بحرية التعبير للناس الذين نختلف معهم ففي الحقيقة أننا لا نستحقها».

يعتقد البعض أن حرية التعبير في أميركا مطلقة، وأن القانون يعطي الحق للجميع، وفي كل الظروف بالقيام فعلا أو عملا بما يريد دون أي رقيب أو حسيب، إلا أن ذلك الاعتقاد يعد خاطئاً، ولا يمت للواقع المعاش ولا يتطابق مع النظم والقوانين التي تحكم دولة هي رأس حربة الحرية في العالم بصلة.

ولكن قبل أن أتحدث عن القيود التي تحكم حرية التعبير في أميركا علينا أن نفهم الأسس التي قامت عليها هذه الحرية من منطلقاتها في مجتمع بني أساسا كرد تمردي على حكم نظام لم يمنحهم الحقوق الكاملة، وتعامل معهم كأتباع عليهم الالتزام دون أن يكون لهم الحق في التعبير عن رأيهم موافقة أو رفض.

تعد حرية التعبير في النظام السياسي الأميركي الأساس الأول لها باعتبار أنه لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية نابضة بالحياة ومفعمة بالحركة دون وجود ما يكفل حرية التعبير عن الآراء، إلى جانب حق الجميع في الوصول للمعلومات جميعها، ومن مصادرها المختلفة، بما فيها الحكومية من أجل أن تكون النبراس الذي يتيح للجميع تكوين الرأي الشخصي، واتخاذ المواقف بناء عليها، فبفضل حرية الوصول للمعلومة يصبح احتكار الرأي العام أمرا صعبا فلا يسيطر حزب على توجه ولا حكومة على رأي.

حرية التعبير تعطي المجال للعملية الانتخابية في أن تظهر أفضل ما لدى المرشحين، كما تتيح لهم كشف خفايا الخصوم، بحيث لا يمكن لأحد من أن يصل لمراكز صنع القرار قبل أن يتعرف الجميع على أفعاله وأقواله وآرائه، ويخضع لاختبار ثقة الشعب فيه وقناعته بمدى صدقيته وقدرته المهنية والأخلاقية على تمثلهم في المناصب الرسمية.

أهمية حرية التعبير في النظام السياسي الأميركي لخصها القاضي لويس برانديس سنة 1927 بقوله «إن حرية التفكير كما تشاء والتحدث كما تفكر هي الوسيلة الوحيدة لكشف الحقيقة».

أما القيود على حرية التعبير فيمكن تلخيصها في أن الإضرار بسمعة الآخرين دون سند قانوني أو مسوغ لذلك فإنه لا يمكن حمايته على أسس حرية التعبير، كما أن التحريض على الجرائم وأعمال العنف والتصفية الجسدية يعد جرما يعاقب عليه القانون، ولا يندرج ضمن حدود حرية التعبير.

وعلى أساس أن الأفكار بالمنظور الأميركي هي سلعة فإن سرقتها لا تعد حرية تعبير، فالأفكار محميه بموجب القانون، وعليه فإنه لا يمكن اعتبار السطو على الإنتاج الفكري الإنساني أو المؤسسي باعتباره تعبيرا حرا يحميه القانون، كما أن أي خطاب عدائي أو هجومي يستهدف الضرر بالأطفال لا يعد حرية تعبير، إلى جانب أن المضايقات والتنمر وإزعاج الهدوء العام في الأماكن الخاصة أو العامة أو عبر الهاتف أو التجريح الشخصي لا يعد تعبيرا عن رأي ولا يحميه القانون على ذلك الاعتبار.

يجب أن ألفت النظر هنا بأن حرية التعبير وما يرتبط بها من قوانين تختلف عن حرية الصحافة، فالأولى تتعلق بتعاملات الناس ببعضها، ولذلك فالقيود عليها أكثر، بينما الثانية فحرية شبه مطلقة باعتبارها ترتبط بحق السلطة الرابعة في عملها المؤسسي الدستوري كرقيب على عمل السلطات الثلاث التي تسير أحوال الوطن، وعلى الرغم من أن الحريتين مكفولتان بنص التعديل الأول من الدستور، إلا أن الصحافة عادة ما ينظر لها باعتبارها حامية للديمقراطية وضامنا لكشف الحقيقة، بينما الحريات الفريدة تخضع في أحيان كثيرة لمحاججة تستند لقوانين حقوق الخصوصية ومناهضة التشهير ومكافحة الجريمة وحماية الأطفال، وغيرها من القوانين التي تنظم تعاملات الناس ببعض.