في بداية عام 2018 قررت الحكومة رفع أسعار البنزين والطاقة وضرائب على المشتريات كخطوة تصحيحية للوضع الاقتصادي في المملكة، حيث كانت الحكومة خلال العقود الماضية تدعم موارد الطاقة وبعض المواد الغذائية ليستفيد منها الجميع، المواطن والمقيم، والغني والفقير، وكان إقرار برنامج حساب المواطن قبل إقرار رفع أسعار البنزين والكهرباء وفرض الضريبة خطة لأن يكون الدعم الحكومي يذهب إلى طريقه الصحيح، فلا يصح اقتصاديا ومنطقيا أن يزود رجل الأعمال الكبير سيارته الألمانية الفاخرة بنفس التكلفة التي يتحملها الموظف البسيط في القطاع الحكومي أو الخاص ليزود سيارته اليابانية أو الكورية الصغيرة بالوقود.

ولا يوجد في أي دولة دعم حكومي يساوي المقيم بالمواطن في أسعار الطاقة والوقود وبعض المواد الغذائية الضرورية، والذي تحملته ميزانية السعودية لسنوات طويلة حتى كانت الخطوة والمبادرة الحكيمة لأن يصل الدعم الحكومي لمن يستحقه فقط من المواطنين عبر برنامج حساب المواطن.

هذا التصحيح كان بمثابة إيقاف هدر كبير استنزف كثيرا من الاقتصاد الوطني، ورغم تأخر الخطوة إلا أنها أتت في وقت مناسب يتزامن مع رؤية المملكة 2030، ولأن قيادتنا الحكيمة -حفظها الله ورعاها- تحرص دائما على مصلحة المواطن ورفاهيته، فقد قررت أن تكون هناك مبالغ شهرية، كبدل غلاء للمعيشة بمقدار ألف ريال للموظف و500 ريال للمتقاعد، و10 بالمئة زيادة لمستفيدي الضمان الاجتماعي، و10 بالمئة زيادة للطلاب والطالبات ويشمل المبتعثين والمبتعثات، ورغم أن المبتعثين والمبتعثات يقيمون في دول مختلفة خارج السعودية ولا يعتبرون ضمن المتأثرين بقرارات رفع أسعار الطاقة وفرض الضرائب، إلا أنه شملتهم الزيادة كاستمرار للدعم الذي يحظى به المبتعثون والمبتعثات، وهي رسالة من القيادة لكل منسوبي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بأن الوطن يعول عليكم كثيرا، وينتظر منكم كثيرا، ويأمل منكم العودة بعلم نافع يضفي للوطن قيادات شابة تسهم في حركة النمو الوطني، وتعمل على تحقيق رؤية المملكة المستقبلية.

الدعم الحكومي يقدم في العادة من أجل تخفيض أسعار السلع أو لصالح المواطن، وهي حركة اقتصادية دورية تبقى مصالحها داخل الوطن، وحتى لو أنفقت الحكومة دعما كبيرا للمواطن فإن هذا المال سيستخدم في الداخل ويبقى ضمن دائرة الاقتصاد الوطني، أما زيادة الـ10 بالمئة للمبتعثين والمبتعثات فإنها خروج مباشر للأموال لصالح اقتصادات دول أخرى، فالمبتعث في الخارج في الأغلب سيستخدم هذه الزيادة المالية في مكافأته لمواجهة أعباء المسؤوليات المالية الباهظة، خاصة في الدول التي تعاني ارتفاع تكاليف المعيشة بها، مثل أغلب الولايات الأميركية والدول الأوروبية والعواصم الشرق الآسيوية، بكين وطوكيو وسيؤول، وهي المدن التي يكثر بها الطلاب والطالبات المبتعثون، وهذا يؤكد إيمان الحكومة بأن تنمية العقول وتأهيلها وتطويرها أهم بكثير من المال، وتعتبر استثمارا في القوة البشرية الشابة التي تتمتع بها السعودية، حيث يغلب الشباب بالنسبة الأكبر من عدد السكان.

كان بإمكان صانعي القرار في السعودية أن يأمروا بزيادة مكافأة الطلاب والطالبات 10% دون أن يشمل المبتعثين في الخارج، لأن الهدف الرئيس من هذا القرار هو إصدار دعم حكومي للمواطنين لمواجهة تأثيرات القرارات الأخيرة، والمبتعث بحكم إقامته في الخارج غير متأثر بمثل هذا القرار، ولكن شملهم بالدعم للعام الثاني على التوالي مسؤولية كبيرة يجب أن يستشعرها كل مبتعث ومبتعثة في الخارج، وأن يقرأ الرسالة من هذا الدعم، وأن يجعله حافزا لتقديم مزيد من الجهود لتحصيل العلم والحرص على تحقيق تطلعات وآمال الوطن الكبيرة التي عقدوها على المبتعثين والمبتعثات، خاصة في التخصصات النوعية الهندسية والطبية والإدارية والعلمية.