لا أحد يشكك في الفضائل الكثيرة لقراءة القرآن الكريم، وعن ذلك يقول الحق ـ سبحانه وتعالى ـ: {ورتل القرآن ترتيلا}، ويقول ـ جل جلاله ـ: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور* ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}، وقال صلوات ربي وسلامه عليه، لسيدنا أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ، لما قال له أوصني، وأوصاه بقوله: «عليك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كله»، ثم طلب منه الزيادة، فقال له: «عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء»، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»؛ والفضائل كثيرة، وموجودة ويسهل الاطلاع عليها.

وسط هذا الحث الجميل على قراءة وتدبر كلام المولى ـ سبحانه وتعالى ـ، يظهر حديث جليل، يستدعي الانتباه.. فعن سيدنا جندب بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ، يقول سيد الأنام ومعلمهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه»، ومنه فهم السابقون، ويفهم من اتبعهم بإيمان، أن قراءة القرآن الكريم تكون في حالة اجتماع القلوب؛ أما إذا تسلل الخلاف والاختلاف في فهم معاني الآيات، فالحل في القيام والتوقف، لئلا يتمادى الأمر على الشر؛ فإن القرآن العظيم أعظم من أن يكون سببا في خلاف أو شقاق.

ليس كلام ربنا ـ عز وجل ـ الذي يأمرنا بتركه رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في حال التنازع بأولى من ترك بل وهجر كثير من القراءات والجلسات واللقاءات والاجتماعات التي لا طائل منها إلا تكدير الخواطر، وتعكير القلوب، والهجوم على رموز المذاهب الإسلامية، والتطاول على منتسبيها، بالتكفير والتسفيه والامتهان والازدراء، مع ما لا يخفى من الاستعلاء والتحزب وإزكاء الجدليات العقيمة، وخصوصا تلك المشبعة بالمصالح الخاصة.

ليس لنا إذا أردنا النجاة، من وسط صراعاتنا، إلا تطبيق الحديث الشريف المتقدم ذكره، على حياتنا كلها، والحياة العلمية بالخصوص، وما علينا جميعا كمنتسبين لدين واحد، إلا الرفض القاطع للسجالات العقيمة بين المذاهب، والطوائف، بغض النظر عن ذرائعها، سواء أكانت علمية أو فكرية، فالحقيقة هي أنها ـ أي هذه السجالات ـ لا ينتج من ورائها إلا الغلو الطائفي، والفتن المستمرة.

فتاوى التكفير لا بد أن تتوقف، هي وأخواتها من فتاوى التفسيق والتبديع، وفي نفس الوقت لا مانع من الحوار الرزين حول المسائل التي يصح حولها الاختلاف، دون تعصب أو عناد أو مجازفة أو استسلام لما كتبه غيرنا؛ ممن حركتهم صراعات تاريخهم لتسطير ما سطروه بروح خالية من أي إيجابية، جعلت أرواح كثيرين ممن حولنا، تتشبع بالحقد والكراهية.

اليوم نحن في أمس الحاجة، لترميم فجوات ما مضى، ونبذ أي شعارات مزيفة ابتلينا بها، وتمكين كل متدين من ممارسة عاداته وشعائره بحرية، وتفويت الفرص على المتطرفين، الذين لا هم لهم إلا تأجيج البلاد والعباد، ومنع السكينة عنها وعنهم، بدعاوى مشكوك في صدقها؛ وإيقافها يحتاج إلى عمل ينعش من قيم التسامح، والتعايش في النفوس، مع رصد تام، وتحليل كامل، وتوعية مستمرة، واستخدام للمخلصين غير المتلونين؛ الصادقين غير الفتانين.