قد تتفاجأ عندما أخبرك بأنه ليس الطبيب العام هو المسؤول الأول عن خدمتك في المراكز الصحية الأولية، ولا تلام عندما أراك لا تصدح في المركز الصحي إلا باسمه؛ فأنت لم تقابل ربما في حياتك كلها طبيب أسرة في المركز الصحي يستقبلك ويقوم بخدمتك، فالواقع أن طبيب الأسرة هذا هو الأول في الاستحواذ على أكبر المكاتب في مراكزنا الصحية، لكنه آخر من يعالج مريضا ويمارس مهنته كطبيب.

 تدرّس الدولة هؤلاء الأطباء طب الأسرة والذي يشتمل على معظم التخصصات الطبية ولكن بشكل سطحي لايستطيع طبيبها التعامل مع مختلف الحالات الواردة إلى المركز الصحي، ومن ثم يعالجها أو يقوم بتحويلها لمختص، إذ ليس هناك فرق كبير أصلا في الحصيلة العلمية بينه وبين الطبيب العام، والمعلوم بالضرورة أن موقع طبيب الأسرة الوحيد هو مركز الرعاية الصحية الأولية «فقط».

 وبعيدا عن الصورة النموذجية واتجاها إلى الواقع فإن الغالبية العظمى من أطباء الأسرة أصبحوا حملا واضحا على المراكز الصحية، فتجدهم يتخذون لهم ثكنات خلفية في المراكز الصحية الكبيرة «فقط»، فلن تجدهم أبدا في الواجهة؛ كما لن تجدهم في المراكز الطرفية والريفية، والمشكلة أنهم محسوبون على القوى العاملة لدى المركز ومع هذا فربما يكونون هم من يتصدر الصورة بإنجازات المركز الصحي، فهم «يحمدون بما لم يفعلوا»!

 وأما من قد بلغ منهم من الكبر عتيا فإنها تتأصل فيه «النزعة المكتبية» فتجده متربعا على مكتب فاره في مديرية الشؤون الصحية ينهى ويأمر ويتمتع بالانتدابات، ويتصدر قوائم الملتحقين بالدورات والمؤتمرات «كتابة على الورق» لا حضوريا، بينما يحرم منها من هو على فوهة المدفع المجتمعي -الطبيب العام- المسكين الذي يواجه التعنيفات اللفظية والجسدية بشكل دوري، وعندما يطلب بعض هذه الميزات المحتكرة يتمثل له المثل الشعبي «اشتغل وانت ساكت»!

 في واقع الأمر إنا ننتظر من وزير الصحة «تفعيل» دور أطباء الأسرة خصوصا وطب الأسرة بشكل عام، واقتلاعهم من تلك المكاتب المظلومة بهم، وجعلهم في أماكنهم الطبيعية «المراكز الصحية» ليعملوا عملهم الذي وظفوا من أجله، ومن يمتنع منهم فليحول على السلم الإداري وحينها سنرى المراكز الصحية مكتظة بأطباء كثر لم ترهم من قبل؛ علما بأن بعضهم مدرج اسمه ضمن القوى العاملة لهذا المركز منذ سنين.

 ختاما، فإنا لا ننكر أن فيهم من يعمل بإخلاص وتواضع معا مع علو درجته وتقادم سنه، وهو نموذج في الانضباط والأمانة، ولعلي أورد الأب الروحي الدكتور يحيى الخالدي رئيس البرنامج المشترك لطب الأسرة بعسير، ذلك الجندي المجهول كمثال مشرق، والذي أتمنى بكل صدق أن يقتدي به مئات الاستشاريين الأقل منه عمرا، وربما علما، والذين ضيعوا أعمارهم طردا وراء المكاتب!!