أعلنت بعض البنوك السعودية المدرجة أسهمها في السوق المالي الأسبوع الماضي عن التوصل لاتفاق وتسوية مبالغ فروقات الزكاة لسنوات سابقة تعود إلى 2002 مع هيئة الزكاة والدخل، ونوهت تلك البنوك في بياناتها إلى أن التسوية سوف تشمل السنة المالية 2018، وستفصح عن المبالغ المستحقة عنها في القوائم المالية لاحقا.

ونظرا لضخامة الفروقات الزكوية المتراكمة والمستحقة على البنوك، فقد أثار ذلك العديد من الأسئلة كان من أبرزها ماهية الاختلاف في احتساب الوعاء الزكوي بين البنوك وهيئة الزكاة والدخل، حيث ذكر بعض المحللين الاقتصاديين أن الاختلاف يعود إلى بند الاستثمارات، حيث تم إعفاء السندات الحكومية، الأمر الذي لا ينطبق على الاستثمارات طويلة الأجل، وهذا ما أثر في ارتفاع الوعاء الزكوي لدى مصلحة الزكاة ومطالبتها بحجم زكاة أكبر.

وبالرغم من التحليل السابق لأسباب الفروقات الزكوية إلا أنها غير كافية في توضيح موضوع اقتصادي مهم لا يتعلق فقط بالبنوك وإنما أيضا بالاقتصاد ككل، فمن ذلك على سبيل المثال القروض والممارسات البنكية الحالية والاستثمارات، وتأثير ذلك على الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، وعلى المواطنين وعلى مصادر إيرادات الدولة.

فالأنظمة والتعليمات الزكوية واضحة بشأن حسم الاستثمارات طويلة الأجل من الوعاء الزكوي، سواء كانت هذه الاستثمارات في داخل المملكة أو خارجها، وإذا كانت الاستثمارات على شكل أسهم في الشركات المساهمة فيجب تحديد هدف المنشأة من هذه الاستثمارات، فإذا كان الهدف من الشراء استثمارا طويل الأجل فتخصم قيمة هذه الأسهم من الوعاء الزكوي، حيث تعتبر من عروض القنية، وإذا كان الهدف منها المضاربة في الأسهم فتدخل قيمة هذه الأسهم ضمن الوعاء الزكوي كعروض تجارة.

أما بالنسبة للاستثمار في السندات الحكومية فقد تضمن قرار وزير المالية في عام 1428 بشأن المعالجة الزكوية للاستثمارات التي تظهرها القوائم المالية للمكلفين الخاضعين للزكاة أنه «لا يحسم من الوعاء الزكوي للمكلف أي استثمار داخلي أو خارجي في معاملات آجلة أو في صكوك تمثل ديونا أو في سندات بغض النظر عن المصدر لها»، بمعنى أن الاستثمارات المالية المقتناة بهدف الاحتفاظ بها والاستفادة من أرباحها فإنها تكون عروضا قنية يتم حسمها تماما مثل الاستثمار في الأوراق المالية طويلة الأجل، أما إذا ظهرت هذه الاستثمارات كأصول متداولة فإنها لا تحسم من الوعاء لأنها تعتبر من عروض التجارة.

وعلى هذا الأساس، فإن القاعدة الفقهية التي تستند عليها هيئة الزكاة والدخل في حسم الاستثمارات من الوعاء الزكوي هي تحديد نوعية هذه الاستثمارات وما إذا كانت من عروض القنية أو عروض التجارة، وهذه القاعدة لا تخفى على مراجعي الحسابات في الشركات والبنوك، فما هو السبب إذاً في اختلاف المعالجة الزكوية بين البنوك والهيئة؟.

لا أحد يعرف تحديدا سبب اختلاف المعالجة الزكوية، ولكن حسب المتداول في بعض الوسائل الإعلامية فقد ذكرت أن الهيئة اعتبرت «بعض الموجودات غير المتداولة، بما في ذلك موجودات الإجارة المملوكة للمصرف، غير قابلة للخصم لغرض احتساب الوعاء الزكوي، وأدى ذلك لزيادة الالتزام الزكوي».. فما المقصود بـ«موجودات الإجارة» التي تمتلكها البنوك؟ هل هي صكوك الإجارة؟.

بعض الدراسات والأبحاث عرفت مفهوم «صكوك الإجارة» على أنها تقوم على «صكوك مبدأ التصكيك أو التسنيد أو التوريق الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على مشروع استثماري يدرّ دخلا، والغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية (صكوك) يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية».

وذكرت إحدى الدراسات أن صكوك الإجارة لا تختلف من حيث المضمون عن سندات الدين المعروفة، والتي هي عبارة عن «مديونية مصدرها لمالكها أو حاملها، مع تعهد ذلك المصدر بدفع فائدة دورية في تواريخ محددة لحاملها، مع دفع القيمة الاسمية لها في تاريخ محدد يسمى تاريخ الاستحقاق»، إلا أن البعض يرى أن صكوك الإجارة هي عبارة عن «وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة، تمثل حصصا شائعة في ملكية موجودات (أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون) قائمة فعلا أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه»، وبالتالي فإن هذه الصكوك تختلف عن السندات، فالسند إثبات دين، أما الصك فهو إثبات ملكية، كما أن حامل السند يستحق فائدة ثابتة بغض النظر عن خسارة المصدر أو ربحه، في حين أن العائد على الصك مرتبط بالأصول المكونة للصك.

ومما سبق يتضح أن صكوك الإجارة كان الغرض منها استخدامها كبديل عن السندات تماما، مثل فكرة بيع السيارات بالتقسيط أو التأجير المنتهي بالتمليك كبديل عن الاقتراض بفائدة وبنفس مبدأ التملك، وكما ذكر آنفا فإن الاستثمار في سندات الدين والمضاربة فيها تعتبر من عروض التجارة، كما أن قرار وزير المالية أكد على أنه لا يحسم من الوعاء الزكوي للمكلف أي استثمار داخلي أو خارجي في معاملات آجلة أو في صكوك تمثل ديونا أو في سندات بغض النظر عن المصدر لها، وهذا فيما يبدو هو سبب الاختلاف بين الهيئة والبنوك.

هناك توسع هائل في الاستثمار في الأدوات المالية وزيادة طلب البنوك عليها باعتبارها مصدرا جيدا للأرباح مع وجود تطبيق خاطئ لها وانحراف عن أهداف هذه الأدوات، ناهيك عن خلطها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقضية الفروقات الزكوية تعتبر مدخلا لإعادة النظر فيما يسمى بأدوات الهندسة المالية، والنظر في السماح للشركات والبنوك بإصدار سندات الدين التقليدية والاستثمار فيها، مع وجود أسواق مالية لها ولباقي الأدوات المالية الأخرى.