ليست المرة الأولى التي تغلق فيها الحكومة الأميركية، ولكنها المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي تغلق لثلاث مرات في عام واحد، حيث كانت المرة هذا العام في يناير وامتدت من 20 إلى 23، بينما كانت المرة الثانية في التاسع من نوفمبر الماضي وأغلقت لمدة تسع ساعات وانتهت بتوقيع الرئيس ترمب لقانون التمويل الذي اعتمده مجلس الكونجرس في الساعة الخامسة فجرا من ذلك اليوم، في حين الإغلاق الثالث هو الأخير الذي تعيشه أميركا هذه الأيام منذ أن بدأ مع حلول الساعة الثانية عشرة ليلا في 22 ديسمبر الجاري.

إغلاق الحكومة يحدث عندما يخفق الكونجرس في تمرير تشريع مخصصات تمول عمليات ووكالات الحكومة الفيدرالية نظرا لخلاف حول البنود، أو بسبب رفض الرئيس التوقيع عليها لذات الأسباب، وهي حالة سبق لها أن حدثت في تاريخ أميركا الحديث أكثر من 20 مرة لأسباب مختلفة غالبا تركز حول خلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أوجه الصرف وميزانية البرامج التي اقترحها الرئيس.

فقد أغلقت الحكومة في عهد الرئيس كارتر مرة واحد، وفي عهد ريجان أربع مرات، وبوش الأب مرة واحدة، وكلينتون مرتين، ومرة في عهد أوباما، في حين لم تغلق الحكومة ولا مرة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وقد تراوحت مدد الإغلاق بين يوم واحد وعشرين يوما، وذلك عندما أغلقت الحكومة للمرة الثانية في عهد الرئيس كلينتون.

اليوم تعد الإشكالية الكبرى المسببة للإغلاق الحالي هي الخلاف بين الكونجرس والرئيس ترمب فيما يتعلق بتمويل تكاليف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والذي وعد به في حملته الانتخابية، ووجد رفضا من قبل المكسيك أساسا، وامتعاضا من قبل الديمقراطيين المؤيدين لمبدأ الهجرة، حيث يرى الحزب الديمقراطي أن الوعود التي قال بها الرئيس لا تتوافق مع ما يطلبه الآن من تكفل دافع الضرائب لمصاريف البناء، خصوصا أن المكسيك رفضت علنا دفع أي تكاليف لبناء الجدار كما روج الرئيس في حملته من أنه سيجبر جيرانه على التكفل بحماية الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية.

التكلفة المالية لتمويل الجدار تتجاوز الخمسة مليارات دولار، بينما التكلفة البشرية للإغلاق والذي قد يمتد لما بعد أعياد رأس السنة تعني أن 450 ألف موظف فيدرالي أساسي سيعملون خلال فترة الإغلاق دون أن يتقاضوا أجورهم الشهرية، كما أن 380 ألف موظف فيدرالي سيرغمون على التمتع بإجازات إجبارية غير مدفوعة، إلى جانب إغلاق 9 من أصل 15 إدارة، وتأثر عدد من الوزارات والإدارات الرئيسة، بما فيها العدل والأمن الداخلي والداخلية والخارجية والإسكان والتنمية الحضرية.

هذا الإغلاق يأتي في وقت يواجه الرئيس تصاعد معدلات عدم الرضا تجاهه شعبيا، ومطالبات في منصات التواصل الاجتماعي باستقالته من قبل طرفي الانتماء الحزبي في أميركا، خصوصا مع التغييرات التي تشهدها إدارته من اتهامات قضائية ومن إقالات واستقالات كان آخرها استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يحظى باحترام المؤسسات التشريعية والعسكرية، حيث أوضح استطلاع أجري أخيرا عن معدل الرضا للرجلين لدى كوادر المؤسسة العسكرية، أن عدم الرضا عن ترمب تصاعد من 37% في 2016 إلى 44% مع نهاية 2018، في حين بلغت نسبة الرضا عن وزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس 84%.

حتى كتابة هذه الأسطر فإن ما يظهر هو أن الرئيس ترمب لا يبدي أي مرونة أو تراجع في مطالبته تمويل الجدار كما صرح بذلك كبير موظفي البيت الأبيض الجديد «ميك مولفاني» في حديث إعلامي.