تشهد منطقة الخليج العربي تطورا كبيرا في شتى مجالات الحياة، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم إصلاحية.

وفي المقابل، فإن التطور الإعلامي لم يواكب هذا التقدم الهائل في تلك المجالات، وظل يدور في فلك الخطابات القومية القديم، أو الإعلام المسيس الذي يهدف إلى تنفيذ أجندة ومواضيع لا تصب في مصلحة منطقة الخليج والمجتمع الخليجي.

ولإيضاح ما سبق، نأخذ قناة الجزيرة الإعلامية مثالا، فهذه القناة التي عمدت إلى استقطاب الإعلاميين من أماكن مختلفة للعالم العربي، وكثير منهم كان متأثرا بالخطاب القومي العربي، والبعض لا تخفى علاقته القوية بجماعة الإخوان المسلمين، والبعض لا ينكر أنه من مدرسة الـ«بي بي سي» التي كانت وما زالت تنفذ أجندة سياسية مشبوهة بنسق إعلامي يدعي المصداقية والموثوقية.

وبالعودة إلى قناة الجزيرة، نجد أن عدد الشروخ والشقوق في البيت الخليجي لم يصل إلى مرحلة أكبر مما هو عليه الحال، إلا بعد انطلاق هذه القناة وبث أفكارها لترسيخ مبادئ الانقسام والخلاف، وتشجيع أصوات الإرهاب والطائفية والقبلية في الدول المجاورة.

لقد نجحت الجزيرة في بداياتها في الترويج لنفسها على أنها المنبر للمواطن العربي الباحث عن حقوقه، الناطق بآماله وتطلعاته، ولكن مع مرور الزمن وتطور وسائل التواصل والانفتاح بشكل كبير على العالم والأجندات الخفية، أصبح المواطن الخليجي والعربي أكثر نضجا وفهما لما يدور حوله، وكيف أنه يتم توجيهه خلال تلك القنوات المشبوهة، لتنفيذ أجندات عدائية تهدف إلى تفكيك البيت الخليجي والعربي، وهتك نسيجه الاجتماعي.

إن تلك الأصوات التي لفظتها أوطانها ومجتمعاتها، وجدت في منبر الجزيرة ملاذا لها، ومكانا آمنا لنشر كراهيتها وبغضها.

ولو أردنا الحديث بصورة أكثر شفافية، فإننا سنجد هذه القناة وبعض مثيلاتها رافدا قويا للأجندة الإرهابية، التي ضربت أماكن عدة داخل البيت الخليجي وخارجه.

إن إعلام الاتجاه المعاكس أصبح صوتا نشازا لا تستسيغه الأذن الخليجية، بل وتلفظه كل العقول الراجحة.

عشرون عاما وعملاء الجزيرة يحاولون النيل من السعودية والكويت والإمارات والبحرين، بل وتجاوزوا الخليج ليحاولوا تخريب أرض الكنانة واليمن السعيد والسودان، وغيرها من البلدان، إلا أن جميع تلك المحاولات فشلت، ولكن لم تيأس تلك النفس الخبيثة من الاستمرار في نشر سمومها الإعلامية لتحقيق الخراب.

وفي المقابل، فقد كان هناك قصور في الإعلام المضاد لأجندة قناة الجزيرة وأهدافها، فإعلام بقية الدول الخليجية لم يرتق إلى ذلك المستوى الذي يجعل منه داحضا لذلك الشيطان الإعلامي.

لا شك أننا نحتاج إعلاما موجها للداخل، يحافظ على وحدة المجتمع ويدعو إلى السلم الداخلي، ويواجه حالات الانقسام والاختلاف، ولكننا في المقابل نحتاج إلى إعلام خارجي قوي ومهني، حازم وحاسم في مواجهة التهديدات والمخاطر، يفند الأكاذيب ويدحض المزاعم.

ويظل التحدي الأكبر الذي يواجه ذلك النوع من الإعلام المضاد هو: كيف نستطيع العمل به، وتطبيقه خلال منبر فكري إعلامي عالمي بنّاء، يتبرأ من أساليب الجزيرة، ويحافظ على المصداقية والمهنية التي كانت وما زالت نهج النبلاء من إعلاميي الخليج؟.