مثَّل إعلان انطلاق برنامج «سند محمد بن سلمان» بدء مرحلة جديدة من العمل الإنساني بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ليس بسبب حجم الدعم الذي يتوقع أن يقدمه البرنامج للفئات المستهدفة، بل لتنوع تلك الفئات، والمعايير العلمية المتبعة في تحديد الأشخاص الأكثر احتياجا للدعم، ونوعية الأهداف التي يراد تحقيقها، وهي نظرة تختلف كل الاختلاف عما كان متبعا حتى وقت قريب، فالدعم الموجَّه للمستفيدين لا يقصد منه مجرد تقديم دعم مالي للإيفاء بالاحتياجات الوقتية، بل إن الغاية الرئيسية -كما هو واضح في مبادرة سند الزواج- هي حث الشباب على الزواج ومساعدة المتزوجين حديثا على مواجهة التقلبات التي تحدث لهم، وتشجيعهم على الصمود في وجه الصعوبات التي تواجههم، لذلك تم وضع معايير صارمة لتحديد الفئات الأكثر استحقاقا للدعم من غيرهم، كأن يكون هو الزواج الأول لطالب الدعم، وألا يقل عمر الزوجة عن 18 سنة، لتفعيل محاربة زواج القاصرات، وألا يزيد المهر على 50 ألف ريال، للقضاء على ظاهرة غلاء المهور، واجتياز دورة الوعي المالي وتحقيق نسبة لا تقل عن 60%، لتشجيع الشباب على رفع ثقافتهم المالية والحياتية، إلى غير ذلك من الشروط الموضوعية.

ورغم وجود مجالات أخرى لعمل البرنامج، مثل صيانة وتطوير المساجد التاريخية، ودعم الجمعيات الخيرية، وإطلاق سراح السجناء المعسرين، وتقديم الدعم للأطفال المصابين بمرض السرطان، وغير ذلك من أوجه البر المختلفة، إلا أن إعطاء الأولوية والاهتمام لمبادرة سند الزواج كان قرارا موفقا واختيارا صائبا لأسباب عدة، في مقدمتها أن مجتمعنا السعودي هو مجتمع عائلي بامتياز، انطلاقا من خلفيتنا الدينية التي تحكم كافة تصرفاتنا، فالشباب السعودي بشكل عام يبدأ التفكير في الزواج بمجرد الانتهاء من الدراسة، ويظل ذلك هاجسا يشغل بال كثير من الآباء والأمهات، ومع تزايد صعوبات الحياة، وظاهرة غلاء المهور، أطل على المجتمعات العربية بشكل عام -ومجتمعنا من بينها بطبيعة الحال- كثير من الظواهر السالبة، مثل عزوف بعض الشباب عن الزواج، وارتفاع معدلات العنوسة وسط الفتيات، وتزايد حالات الطلاق التي وصلت إلى معدلات مقلقة.

وتؤكد دراسات وإحصاءات أكاديمية موثوقة أن معظم حالات الطلاق وقعت لأسباب مرتبطة بالعوامل المادية، مثل الديون التي يتورط فيها الشباب لإكمال مراسم زواجهم، أو عجز البعض عن توفير متطلبات تكوين الأسرة، لذلك فإن تقديم الدعم لهذه الفئات يمثل أولوية قصوى.

وقد انتبه القائمون على أمر برنامج سند إلى نقطة في غاية الأهمية، تتمثل في عدم اقتصار تقديم الدعم فقط للمقبلين على الزواج، بل تقديمه للذين تزوجوا خلال فترة لا تتجاوز العام، لمساعدتهم على إنقاذ زواجهم من الانهيار وتقديم طوق النجاة لهم، ومساعدتهم على تجاوز الصعوبات، وبذلك يمكن محاصرة ظاهرة ارتفاع حالات الطلاق والتقليل من آثارها.

والبرنامج بشكل عام ليس مجرد برنامج خيري تقليدي تقتصر مهمته على تقديم الدعم المباشر، بل يهدف بشكل أساسي -كما ورد في موقعه الرسمي- إلى تعزيز المعرفة والتوعية، سعيا إلى تنمية المجتمع وأفراده، في سبيل تركيز الأثر الفاعل للمنافع التي يسعى البرنامج إلى تحقيقها وضمان استدامة أثر العطاء على المجتمع، دون أن يقتصر ذلك على العطاء المباشر، إضافة إلى تلمس احتياجات فئات متنوعة من المجتمع لتحقيق الحياة الكريمة والاستقرار، وتقديم مبادرات تنموية واجتماعية، توفر المساندة من خلال الدعم المادي والمعرفي في إطار عملي واضح وآليات محددة عبر منصة تقنية تشمل جميع خدمات البرنامج، وتكفل الوصول إلى فئات المجتمع المختلفة. كل ذلك لتحقيق العيش الكريم وضمان توفير التنمية المجتمعية، ووفقا لتعاليم ديننا الإسلامي الذي يحث على التعاضد والتكاتف، ركز البرنامج على وضع أهدافه باتساق مع تلك القيم.

عند الإعلان عن رؤية المملكة 2030، أبدى البعض اندهاشهم من التركيز الكبير على إحداث تغيير إيجابي في بنية المجتمع، ومحاربة الظواهر السالبة، وسبب دهشة هؤلاء أنهم كانوا يتصورون أن الرؤية هي مجرد برنامج تحديث اقتصادي يركز على الاستثمارات المادية فقط، وما درى هؤلاء أن الرؤية في الأصل برنامج اجتماعي، يستصحب التغيرات التي يمر بها العالم من حولنا، وتهدف إلى إيجاد حلول للصعوبات والمشكلات التي تواجه المجتمع السعودي، إيمانا بأن الإصلاح الاجتماعي هو المدخل الرئيس للنهضة الاقتصادية، ذلك أن كافة برامج التطوير والإنماء والازدهار الاقتصادي موجهة بالأساس إلى المواطن، الذي إذا لم يكن في وضع اجتماعي مريح فإنه بطبيعة الحال لن يكون باستطاعته التمتع بما يتيحه التطور الاقتصادي، وستكون برامج النهضة ونتائجها جامدة وليست ذات أثر فعلي.

ومما يبعث على الراحة والاطمئنان على مستقبل البرنامج واستدامة آثاره الإيجابية التأكيد على أنه سوف ينطلق من المكتب الخاص لولي العهد، مما يعني أنه سيحظى بمتابعة متواصلة، ويخضع لعدد من عمليات التقييم والتحديث بواسطة فريق المستشارين ذوي الكفاءة العالية.

ومع تعدد المبادرات التي أعلن أنها سوف تنطلق خلال الفترة المقبلة، فإن المطلوب من الجمعيات الخيرية الأخرى تطوير أساليب عملها، وإعادة ترتيب الأهداف والغايات التي يرجى تحقيقها، ومع التقدير التام لإسهاماتها الاجتماعية والخيرية الكبيرة التي قدمتها، والدور المتعاظم الكبير الذي لعبته خلال الفترة الماضية، إلا أن التغيرات التي يشهدها المجتمع، وما استجد فيه من اختلاف في طريقة تفكير الناس وترتيب أولوياتهم، يستلزم إعادة النظر بصورة جديدة للأمور، وتبرز في هذا الإطار الحاجة الماسة لتوحيد جهود العمل غير الربحي المختص بالمساندة المادية للفئات الاجتماعية الأكثر احتياجا، لإيجاد نوع من التوازن بين فئاته، من خلال مبادرات فعالة تهدف إلى تقديم العون المباشر، وتضع في الوقت نفسه التحولات الاقتصادية والطموحات المستقبلية بعين الاعتبار حتى تصنع أثرا مستداما وأقوى في الرسالة.