تحت عنوان «خيرَ الله»، كتبت هنا، في منتصف هذا الشهر، عام 2011، مقالا عن ولاية «كيرالا»، جنوب الهند، التي يقال إن اسمها محرف عن أصل عربي هو «خير الله»، الذي أطلقه عليها التجار العرب قديما، كما أنها تشتهر باسم «مليبار»، أي بلد الجبال.

تاريخ الشريعة الإسلامية واللغة العربية هناك تاريخ مجيد، والفضل في ذلك يعود إلى الإسهامات العظيمة التي قدمها أبناء المنطقة، وما زالوا يقدمونها، درسا وتدريسا، وجمعا وتأليفا، داخل أرضهم التي تنورت بأشعة الإسلام قبل أي بقعة أخرى في منطقة جنوب آسيا، وأنجبت عددا من العلماء والأدباء الذين أوقفوا حياتهم لخدمة الدين وعلومه، ومن أجل ذلك، لا غرابة أن تعد «كيرالا» خير أنموذج لبلد غير عربي فيما يتعلق بتعليم الدين واللغة العربية لغير الناطقين بها، واليوم بات تعلم الدين واللغة أمرا مهما في «كيرالا»، وصار التعايش سمة تميز هذه الولاية الجميلة، التي يشكل المسلمون فيها نسبة تتجاوز 26%، والنصارى حوالي 19%، والبقية من الوثنيين الهندوس، من مجموع سكانها الذين يبلغون أكثر من 35 مليون نسمة.

المؤتمرات الإسلامية المختلفة في ولاية «كيرالا» لها طابع مختلف، وتحضرها أعداد غفيرة، ومن مختلف مدن البلاد وقراها، يصلون أحيانا إلى نصف مليون شخص، لا يدفعهم إلى ذلك إلا حبهم للدين، وينفقون على حضورهم من جيوبهم الخاصة، ولا يوجد ما يغريهم على الحضور إلا الرغبة في خدمة دينهم، وتقربهم من رضا خالقهم، ومن هذه المؤتمرات «المؤتمر العالمي الإسلامي للسلام» الذي اختتمت أعماله قبل أيام، وحضره كثير من أصحاب العلم والفكر، ونظمته باقتدار «جامعة معدن الثقافة الإسلامية»، بمناسبة مرور عشرين سنة على تأسيسها، استطاعت خلالها أن تحقق كثيرا من النجاحات، ومن أهمها الموازنة بين تعليم المواد الدينية والعصرية، والعمل على تحقيق «الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع»، مع اهتمام كبير بالأعمال الخيرية والإنسانية، مما ساعد مؤسسها فضيلة السيد إبراهيم البخاري، على جعلها تتبوأ مكانة طيبة بين شقيقاتها من الهيئات التعليمية المختلفة، في الولاية، مثل «كلية إحياء السنة العربية»، و«الجامعة النورية العربية» و«جامعة السعدية العربية»، و«جامعة مركز الثقافة السنية»، التي أسسها الشيخ أبوبكر أحمد، وغالبا يحمل المتخرج من هذه الجامعات لقبا يدل على تخرجه من إحداها، فـ«الأحسني» من كلية إحياء السنة، و«الثقافي» من جامعة مركز الثقافة، و«العدني» من جامعة معدن الثقافة، وهو تقليد معمول به كثيرا في تلك الجهات.

مزايا المسلمين في «كيرالا»، التي تلقب بـ«الولاية المثقفة»، كثيرة، وأعجبني فيهم تركهم الجدال والمراء، مما ساعدهم في البعد عن الأفكار المنحرفة، والتركيز عوضا عن ذلك على النواحي التربوية السلوكية، أكثر من النواحي النظرية والفكرية، ومما شدني هناك بعدهم عن النقد، وتركيزهم على الأخلاق والعمل، والارتباط بمن مضى من أهل العلم والصلاح، وبفضل هذا وغيره، تمتع أهل «كيرالا» بالسمعة الطيبة، والحيوية، والكرم، وحب الخدمة، وصفاء النية، والاحتشام في اللباس والكلام، والنجاح الباهر في التعايش مع بعضهم، كذا مع غيرهم.