تعامل المسلمين مع غير المسلمين ينتابه كثير من التباينات، ومرد ذلك عائد إلى عدم الفهم الدقيق لكثير من الأمور التي تتعلق بهذا الشأن الحيوي المهم، خصوصا في هذا العصر الذي تغيرت فيه معطيات الحوادث كثيرا، وتسارعت تسارعا عجيبا. فالمسلم وغيره، لا فرق بينهما في صناعة السلام العالمي، ولهذا على كل طرف منهما أن يثق في الآخر، ويترك تخوين غيره، وهو ما يعني الاعتراف المتبادل، المشروط بأن يعامل كلٌّ الآخرَ بنديّة ومساواة، مع عدم إملاء طرف رأيه على طرف، وفي الوقت ذاته منع اعتراض هذا على ذاك.

الاعتراف، باب الاحترام، والاحترام يعني احترام عادات وثقافات وتقاليد وخصوصيات الناس، خصوصا عندما تكون غريبة على أي من الطرفين، وعندما ننجح في احترام بعضنا بعضا؛ سنكون قد وصلنا إلى أرضية طيبة، وسننجح في عقد حوارات من شأنها الوصول إلى أن يتفهم كل جانب الجانب الآخر، وستزول الأفهام الخاطئة، والأحكام المعلبة الجاهزة، وسنقتنع فكرا وقلبا، أن مرحلتنا اليوم هي مرحلة لا يصلح لها إلا التسامح، والفهم المشترك، والتعايش الإيجابي، والتعاون المشترك.

علينا كمسلمين، منتمين إلى رسالة دين سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- أن نتذكر دائما خطاب الحق -سبحانه وتعالى- لرسوله الذي أرسله إلينا: {.. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..}، وأن نتذكر كذلك أن الحضارات تُبنى بعضها على بعض، والتاريخ يشهد اهتمامنا بحضارات اليونان والهند وغيرها، وترجمة ذلك إلى لغتنا الخالدة، والإضافة عليها، ثم تكوين فلسفة مستقلة، والتاريخ ذاته يخبرنا أن الأوروبيين ترجموا مؤلفات أسلافنا، وتعرفوا على الفلسفة اليونانية عن طريقنا، وترجموها كما فعلوا معنا، وليس هذا فقط، بل كانت البعثات التعليمية بين الطرفين موجودة، وكانت الجامعات الإسلامية في الأندلس مفتوحة للطلاب الأوروبيين، كما هي جامعاتهم مفتوحة لأبنائنا وبناتنا اليوم.

لا يمكن أن أغفل أن هناك أزمة ثقة بين المسلمين وغيرهم، والأسباب التاريخية الداعية إلى ذلك كثيرة، وتنحصر تقريبا في الحروب والغزوات والإرهاب والتفجيرات والتهم المتبادلة، حتى وصلت قناعات بعض الناس إلى أن الحضارات لا بد أن تتصارع، وظن البعض أن هذا الأمر لا بد أن يتحقق؛ مع أن الإسلام الذي يلزم أن يعرفه غير المسلم كذا المسلم؛ يرفض دعاوى الصدام والهيمنة، وأن العلاقات بين الناس في الإسلام مبنية على ما قاله خالقهم ومدبرهم، سبحانه وتعالى، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}؛ وهذا -وإن كان يعني بذل الجهد في التقارب المشترك- فإنه لا يلغي حق حرية المسلم في اختيار ما يناسبه من انفتاحات غربية، والتركيز على القواسم الجامعة؛ من أجل تحقيق الأخوة الإنسانية، ومن أجل عالم خال من العنف، ومن أجل الحد من المواقف العدائية؛ والتي قد تنتهي بالناس جميعا، إلى كوارث ومساوئ، لن يحمد العاقل عقباها.