بعيدا عن الدخول في التفاصيل الشخصية في قصص «هروب» بعض الفتيات المراهقات إلى «بلاد أجنبية» وطلبهن اللجوء، كما فعلت إحداهن أخيرا، وهي حالات لا تذكر، ولا أريد الغوص في أعماقها، فلربما هناك خلفيات عائلية تخفى علينا، وبعيدا كذلك عن الدخول فيما يمكن أن يكون لجهات خارجية معادية ذات أجندات فكرية وسياسية، قد تعمل على إغراء بعض البنات للهروب من بلدانهن، وأن تلك الجهات هي من يقف خلف حملة «إسقاط الولاية»، تلك الحملة التي ترفع ويثار ترويجها بين وقت وآخر من قبل فئة معروفة، تزعم نصرة المرأة بهدف إرباك المجتمع السعودي، وإثارة المراهقات على أسرهن، وأنا لا أستبعد هذا، رغم محاولات البعض التشكيك ونفيها، لكن ثبت أنهم يستخدمون تلك الأحداث للإساءة لبلادنا ويستخدمون أولئك الفتيات لدعم مطالب تخدم أجنداتهم، عموما بعيداً عن كل هذا وذاك، بودي أن أتوقف عند نقطتين مهتمين.

«النقطة الأولى»: اسمحوا لي أن أتساءل بصراحة، لماذا لا نرى منظمات حقوق الإنسان العالمية تتحرك وتستنهض «نخوتها»، إلا إذا كان طرف القضية الحقوقية «امرأة سعودية»؟، بينما هناك عشرات القصص التي تقطر ألما ومأساة، ولا نكاد نسمع صوت تلك المنظمات، ولا نرى تحركها، ولا نشعر بضميرها يهتز أو يتحرك لدفع الظلم عن نساء مضطهدات يعانين ظروفا قاسية في سورية والعراق وفي الروهينجا في ميانمار، وفي أراكان، وفي فلسطين، ولا يجدن من منظمات حقوق الإنسان، أي مساعدة أو صوت يساندهن، بينما عندما تكون هناك مزاعم كاذبة تروج داخل قصص هروب الفتيات السعوديات على أنها سبب في دفعهن للهرب إلى خارج بلدهن، نجد منظمات حقوقية تستنفر جهودها، ونسمع من يرفع من حدة نقده متهما بلادنا بانتهاك حقوق الإنسان، ثم نجدهم يقيمون لهن المؤتمرات، ويقدمون لهن الجوائز وحفلات التكريم، ويسبغون عليهن ألقاب وأوصاف الشجاعة والبطولة، وإلى آخر ذلك المشهد المسرحي المضحك، بل ونجد وزيرة خارجية بلد، في استقبال إحداهن!.

 النقطة الثانية: انتهاز كثيرين لهروب الفتيات ليجعلوا منهن ومن مزاعمهن أحداثا دولية تروجها وسائل الإعلام، على أنهن فعلا ضحايا لانتهاكات حقوق إنسان في السعودية، ويتم تعميم ذلك الموقف على بلادنا، بتضخيم تلك المزاعم إلى حجم التهمة التي تُرمى بها بلادنا، بينما يعلم المنصفون أن حقوق الإنسان لدينا تجد اهتماما حكومياً وشعبياً، وأن ملف حقوق الإنسان لدينا أنظف من ملفات دول تنتقدنا، رغم أن حقوق الإنسان فيها منتهكة، بينما عندنا «جمعية وهيئة» قامتا لتعنيا برعاية حقوق الإنسان.

والمرأة في بلادنا حققت مكاسب في الحصول على حقوقها، ويكفي أنها تساوي الرجل في الوظيفة والمرتب والمميزات، وتحظى بحرية ممارسة التجارة والعمل والسفر، ومراجعة الدوائر الحكومية، والابتعاث، وأخيراً نالت حق قيادتها السيارة، وما يثار حول حريتها ليس إلا من قبيل المزايدات.

 عموما أقول الحقيقة التي لا تقبل المجادلة، إنه لا يوجد دين ولا ثقافة ولا مجتمع في الدنيا «كرم المرأة» مثل الدين الإسلامي، والمجتمع المسلم، والثقافة القائمة على تعاليم الدين الحنيف، ولهذا فمهما حاولت المرأة، أو من يدعّون مناصرتها، أن تبحث عن جهة أخرى في العالم، تظن أنها ستجد فيها «كرامتها» في غير دينها الإسلامي، وفي غير مجتمعها المسلم العربي، فلن تجد، لأن هناك من يحاول أن يتحدث عن الغرب بنوع من البهرجة والمثاليات، مصورا وضع المرأة فيه بما يشبه الأحلام، ومبديا إعجابه بحقوق الإنسان عندهم، مما جعل بعض المراهقات، وهن يسمعن هذا الكلام أو يقرأنه يحاولن «الفرار إلى جنة الغرب الوهم»، ظنا أنهن سيجدن هناك «الحرية والكرامة والعزة والانطلاق بلا قيود»، وأن حقوق المرأة هناك مكفولة، وقياسهن في تلك الحقوق أن المرأة تعمل ما تريد بلا قيود دينية أو اجتماعية، لكنهن لا يعلمن حقيقة وضع المرأة هناك، والذي لا يمكن أن يكون أسوأ منه في أي موقع آخر، مهما حاول من يحاول أن يلمع واقع المرأة في الغرب.

 قد تواجه المرأة صعوبات داخل مجتمعاتنا العربية، لكن هذا لا يعني أن العيب في الإسلام، أو في المجتمع المسلم أو العربي، الذي يحمل تقدير المرأة من منطلق ثوابت دينه، وتقاليد مجتمعه «ابنة كانت أم أختا أم زوجة أو أما»، وإنما الصعوبات التي قد تلاقيها في مجتمعها نتيجة لممارسات خاطئة قد تصدر من بعض الأفراد، أو تقع في بعض الأسر نتيجة لظروف وأحوال اقتصادية اجتماعية نفسية، مع أنها تبقى مرفوضة، إلا أنها تبقى حالات فردية لا يمكن تعميمها، أو جعلها حكما يعكس وضع المرأة بشكل عام في بلادنا، مع أن قوانين البلد الحكومية والاجتماعية تحمي المرأة.

 ولو سلطت الضوء على وضع المرأة في الغرب ولو بشكل سريع، الذي افتتن به بعضهم، لوقفت على عشرات الإحصائيات والتقارير التي تتحدث عن حالات القتل التي تتعرض لها المرأة هناك، فمئات القصص والأرقام الأسبوعية، التي تكون فيه المرأة في الغرب ضحية «للعنف والخطف والاغتصاب والتحرش، والهروب من المنازل، كما أنها تعاني الفقر والتشرد ولا تجد من يأويها، وتلقى الامتهان لوضعها كامرأة، عندما تسخر كجسد للموضة والدعاية والبغاء، إضافة إلى أن الفتاة في الغرب منذ أن تبدأ مراهقتها فهي حرة تغادر منزل أسرتها دون علم أهلها، لتبدأ حياة أخرى بعيدا عن أعين المحاسبة والمراقبة والمساءلة، بشكل لا يمكن أن يقبل بمثله في مجتمع مسلم تعلم من نبيه «أن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع»، وهناك المخدرات والمسكرات، وملاهي الليل وغيرها، وهذا الحديث ليس سرا، فيمكن لأي أحد أن يطلع على ما ينشر في هذا الجانب ووفقا لإحصائيات.

 بينما في ظل الدين الإسلامي وفي المجتمعات المسلمة، مثل بلدنا الذي أعطى للمرأة كامل حقوقها وأنصفها ومكنها كشريك في بناء المجتمع، نجد أن المرأة تعيش بكرامة وعز، لأنها تجد من يصونها ويرعاها، ويخدمها، ويخاف عليها ويقدرها، ويعطيها حقوقها، ومن يقرأ القرآن الكريم بتدبر، سيجد أن الإسلام اعتنى بها مطلقة وأرملة وزوجة ويتيمة، وكتعظيم لشأنها، فقد سميت سورة في القرآن بـاسم «النساء» ونزلت في خولة بنت ثعلب، وهي امرأة فقيرة من بيت متواضع، آية تقرأ إلى يوم القيامة، لكن ذلك لم يقلل من شأنها بل ليرفع من شأن المرأة، إن بقي لي شيء بودي أقوله فأقول بكل صراحة لأولئك المتعاطفين مع لاجئة كندا، والذين يبررون قصة الهروب، ويختلقون الأعذار «لا تحمّلوا الدولة رعاها الله وزر التصرفات الرعناء التي تخرج من هذا أو ذاك، فكل صاحب سلوك غير مسؤول يتحمل نتائجه وحده، الدولة لم تقصر».