محمد العكاري

فرحة ملأت الأرجاء وغمرت جنبات واحة الأحساء، وزغردت لها ربوع المملكة فرحاً وابتهاجاً، حيث تم تسجيل واحة الأحساء في منظمة اليونيسكو كموقع أثري تراثي عالمي، هو ما تم قبل بضعة أسابيع، حيث احتفلت واحة الأحساء بهذا الحدث رسمياً وشعبياً وحُقَّ لها أن تحتفل به وتبتهج، وقد زغرد قلبي فرحاً لهذا الحدث، ورقصت أحاسيسي طرباً له.

أجل تلك هي الأحساء أكبر واحةٍ تختزن النَّخيل في العالم، وهي التي عشت فيها مَرَّةً ونصفَ مَرَّةٍ عمَّا عِشته في بلدي الحبيب الشام، ولها كما الشَّام في قلبي قدرٌ كبيرٌ وَمَقام، وهي التي ساهمت قبل آلاف السنين في الحياة الإنسانية، وكان لها أثر بالغ في الحضارة الإنسانية، حيث انطلقت مسيرة منها هجراتٌ شتى، وهي نفسها التي فيها مسجد جواثا بما يحمله من إرث تراثي إسلامي حضاري، حيث يعتبر ثاني أقدم مسجد أُقيمت فيه صلاة الجمعة في الإسلام. واحة الأحساء ما أبهاها وما أجمل عيونها، حيث تتجلى كنخيلٍ ممتدٍ على مدِّ النَّظر خصوصاً إذا ارتقيت فوق جبل قارة أو جبل الشعبة، أما عيونها فتتلألأ مياهها بمشاهد تبهج وتسر، وقد قيل إن عيونها ما بين ستين إلى سبعين نبعاً وعينا، خمسةٌ منها رئيسية، وهذه العيون ومسمياتها تحمل سمت ومشاعر أهلها، وصفة أحاسيسهم النبيلة.

فهذه عين الخدود التي تتدفق بقوة وغزارة كتدفق مشاعر أهلها البهية وأحاسيسهم الزاخرة وتعتبر من أكبر عيون الأحساء، وبجانبها عين الحقل التي ترسم مشاعرهم كبستان جميل وحقول خضرةً نضرةً تفيض أُنساً وجمالاً، كما كانت قبل كبحيرة كبيرةٍ أيام عزها ومجدها.

أمَّا عين الحارة فتصف دفء مشاعرهم وحرارة لقائهم بضيوفهم وفرحتهم بهم. وهناك عين أم سبعة كريمة بعطائها وجودها كما أهل الأحساء متفرِّعةً لسبعة فروع راويةً ما حولها من البساتين النضرة والواحات الآسرة، ولهذا سميت بأم سبعة. وما أبهى وأزهى مشاعر أهلها وأحاسيسهم، حيث تتلألأُ كماء عين الجوهرية في أعين ناظريها حينما تنعكس عليها أشعة الشمس الذهبية في وقت الضحى، حيث التألُّق والجمال، والخضرة والماء والانعكاسات الرائعة على صفحة خدها والنخيل يتمايس مع سعفه راقصاً مبتهجاً حولها من الجهات الأربع.

وما أروع المشاعر الإنسانية منداحةً سجيَّةً وطبعاً، في هذه البلدة الطيبة الخضرة النضرة، الأنيسة المحبوبة هي الأحساء «بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور».أهلوها هم الأخيار بِشراً أي والله، وهذا ما وصفهم به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد بني عبد القيس، وأعلم بأنهم خير أهل المشرق، وهو الوسام الأروع والأبدع والأنصع على صدور أهلها، فهنيئاً لهم هذه الشهادة. ?وبنو عبد القيس قبيلة كبيرة يسكنون البحرين (أي الأحساء) وهم ينسبون إلى عبد القيس بن أفصى، وكان عدد الوفد الأول ثلاثة عشر رجلا، وفيها سألوا عن الإيمان وعن الأشربة، وكان فيهم الأشج، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، كما أخرج ذلك مسلم من حديث أبي سعيد. وفي حديث هود بن عبد الله بن سعد [ ص: 687 ] العصري أنه سمع جده مزيدة العصري قال: - بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث أصحابه إذ قال لهم: سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق، فقام عمر فتوجه نحوهم فلقي ثلاثة عشر راكبا فبشرهم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم مشى معهم حتى أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فأخذوا يده فقبلوها، وتأخر الأشج في الركاب حتى أناخها وجمع متاعهم ثم جاء يمشي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم: إن فيك خصلتين الحديث، أخرجه البيهقي، وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد».?